للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا توافد عليه رجال الأمة وأمراؤها وعلماؤها وأعضاء مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية والقضاة يهنئونه ويشدون أزره١، وكما حدث في أزمة الحدود سنة ١٨٩٤، وقد أدى موقف عباس هذا إلى أن دب في نفوس بعض المصريين شيء من الحماس، وقد ظهرت أول الأمر عن طريق الصحافة.

وذكرنا في الجزء الأول أن الصحافة المصرية في أخريات القرن التاسع عشر تأثرت بعاملين أولهما: تركيا، وكانت على الرغم من ضعفها، وإعانها للأمر الواقع تحاول إثارة النفوس ضد الاحتلال، وكان كثير من المصريين يدين لتركيا بالولاء، وهو ولاء ديني لا سياسي، مبعثه وجود الخلافة العثمانية، والمسلمون مكلفون شرعًا بطاعة الخليفة.

وثانيهما: الاحتلال الذي حاول أن يجتث نفوذ تركيا من الأساس، ويقتلع من النفوس هذا الولاء، وقد استطاع أن يجد لسياسته هذه أنصارًا ومريدين، وأن يجتذب إليه قلوبًا عزيزة المنال تدافع عنه أو تسكت عن مخازيه، ووجد أن كثيرًا من السوريين المسيحيين ينقمون على تركيا استبدادها وغلظتها وسوء تصرفها معهم في ديارهم، وتفريقها بين عناصر الأمة، فاستمال هؤلاء الناقمين إليه، وحباهم عطفه ووده، وأنشئوا جريدة المقطم لسان حال لهم في ١٤ من فبراير سنة ١٨٨٩.

وهكذا انقسمت الصحافة فريقين: فريق تركيا، وفي الغالب يدعو للخديو، ويندد بالاستعار، إما مدفوعًا بالولاء الديني، أو الكراهية للإنجليز، أو بتحريض دولة أجنبية تنفس على أبناء التاميز مركزهم في مصر والشرق العربي، وفريق يدافع عن الإنجليز، ويتغنى بمحامدهم، ويشيد بنعمة الاحتلال، ويذيع مساوئ العهد التركي، وما ارتكب فيه من ظلم وكانت "المؤيد" ثم "اللواء" تمثل الفريق الأول، "والمقطم" تمثل الفريق الثاني على نحو ما ذكرناه في غير هذا المكان٢.


١ مصطفى كامل لعبد الرحمن الرافعي ص ٣٢٠.
٢ راجع في الأدب الحديث ج١ ص٤١٣- ٤١٥ ط سابعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>