طلع المؤيد على الناس في ديسمبر سنة ١٨٨٩، والاحتلال الإنجليزي في عنفوانه، والثورة العرابية قد أخفقت، وشرد زعماؤها، وكممت الأفواه، ولكن النفوس كانت تضطرم بنار الوطنية والقلوب تنطوي على حقد دفين لهؤلاء الذين اغتصبوا حرية مصر، واستباحوا حرماتها، مع أنها كانت بالأمس القريب في عهد إسماعيل تتطلع إلى مستقبل باسم. وكانت تعاليم جمال الدين الأفغاني، وما بثه في مصر من حب للحرية، وثورة على الاستبداد والبغي ورغبة ملحة في إصلاح المفاسد الاجتماعية، وتحقيق العدالة بين الناس، ومن نظام الشورى الصحيح لا تزال تطن في الآذان، وتتردد في الأذهان وكانت ثورة عرابي والمبادئ العظيمة التي نادت بها من رفع السخرة وإنصاف المصريين ضباطًا وشعبًا والعدالة الاجتماعية بين الطبقات، وإنشاء المجلس النيابي لتمثل فيه الأمة، وما راح ضحية هذه الثورة من ضحايا لا يزال كله ماثلًا في قلوب المصريين. بيد أن الإنجليز كبتوا هذا الشعور الجياش وحاربوا في عنف وقسوة دعاة الحرية، وإن تظاهروا بأنهم أطلقوا للصحافة العنان، وتركوها حرة تقول ما تشاء.
وسارت المؤيد في محاربة الإنجليز من غير هوادة ومهادنة، وأفسحت صفحاتها لذوي الأقلام الملتهبة المستنيرة من أمثال سعد زغلول، وإبراهيم اللقاني، إبراهيم المويلحي، وعبد الكريم سلمان، ومحمد عبده، وتوفيق البكري، وفتحي زغلول وغيرهم وكانت المسرح الأول لمقالات مصطفى كامل المشتعلة ضد الاستعمار. وظل هذا ديدنها أمدًا طويلًا حتى بعد أن استمال الإنجليز صاحبها قليلًا، وفترت حدته نوعًا ما بتأثير الشيخ محمد عبده صديق "كرومر" من جهة، ولمهادنة عباس للاحتلال من جهة ثانية١. وقد يكون الشيخ على يوسف قد هادن الإنجليز، وسكت عن مخازيهم؛ ولكنه لم يثن عليهم أو يدعو لهم في يوم من الأيام، ولقد لاقى من رجال الحزب الوطني أشد العنف والإرهاق حين خفف لهجة المؤيد ضد الإنجليز، ولم تعد ترحب بمقالات مصفى كامل.
وكان الشيخ علي يوسف موزع الولاء بين حبه للخديو وإخلاصه لمحمد عبده، فلما عقد الاتفاق الودي بين الإنجليز وفرنسا في سنة ١٩٠٤، وظهر إنحياز