للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثالث هذه الأحزاب: الوطني، وقد كان مصطفى كامل يدعو أول الأمر لتركيا ويقول: "حقًّا إن سياسة التقرب من الدولة العلية لأحكم السياسات وأرشدها، ولا غرو أن كنا نتألم لآلام الدولة العلية، فما نحن إلا أبناؤها المستظلون بظلها الوريف المجتمعون حول رايتها. وقصارى القول إن الراية العثمانية هي الراية الوحدية التي يجب أن نجتمع حولها، ولا تتحقق وحدتنا بغير الاتحاد، والائتلاف قلبًا ولسانًا١.

ويظهر أن موقف مصطفى كامل هذا كان موضع نقد كثير؛ إذ كيف يطلب لمصر الاستقلال التام، وطرد الإنجليز منها في الوقت الذي يريدها أن تكون خاضعة لتركيا، وقد دافع مصطفى كامل عن وجهة نظره في أكثر من خطبة، وبين بوضوح وجلاء، أنه إنما يدافع عن حق مصر الدولي، فتركيا بمقتضى معاهدة لندن سنة ١٨٤٠ الدولة صاحبة السيادة على مصر، وقد اعترفت الدولة جميعًا بهذه المعاهدة، بينما لا توجد لدى الإنجليز أن وثيقة تؤيد بقاءهم فيها، فكان مصطفى كامل يدعو الإنجليز وسائر دول أوربا إلى احترام هذه المعاهدة، أضف إلى هذا أن تركيا على الرغم من ضعفها، وسوء حالها كانت تناوئ الإنجليز في مصر، وتود أن يخرجوا منها، وهذا يزيد المصريين في مطالبتهم بالاستقلال قوة، ثم أن سيادة تركيا على مصر كانت سيادة اسمية، لا تتدخل في شئونها الداخلية أو الخارجية، منذ معاهدة لندن ١٨٤٠ بل قبل ذلك حين ثار عليها محمد علي وكاد يفتح القسطنطينية.

ولقد أشار مصطفى كامل في غير ما خطبه ومقالة إلى هذه المعاني، فمن ذلك ما كتبه إلى مدام جولييت أدم: "إنك تعلمين خطتي نحو تركيا، وما أراه واجبًا نحوها، فقد أفصحت عن ذلك في خطبتي، واعترف كثيرًا من أصدقائنا اليونانيين بأن من السياسة القومية لمصر أن تكون حسنة العلاقة مع تركيا ما دام الإنجليز محتلين وطننا العزيز"٢.


١ مصطفى كامل ٢٢٠ ط ثانية.
٢ اللواء ٢ من مايو سنة ١٩٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>