ولم يك حافظ في شعوره نحو الأتراك مثل شوقي، بل كان يمثل شعور عامة المصريين، المتعلمين وغير المتعلمين، فمصر بلد إسلامي، ويدين للخليفة في الآستانة بالولاء، ونرجو له ولجيوشه الظفر والنصر، وتأسي إذا نكبت هذه الجيوش، أو ضعفت دولة الخلافة وكان عبد الحميد رمزًا لهذه الخلافة، وإن كان طاغية مستبدًا، وإن ضعفت على يديه ضعفًا لا نهاية بعده، واقتطع من جسم الدولة على عهده أكثر من ولاية، ولكنه على كل حال خليفة المسلمين، فلا يدع إذا توجه إليه شعراء المسلمين بالمديح والتهاني في الأعياد. ولم يك حافظ يصدر في قصائده العثمانية هذه عن شعور تبعية قومية لتركيا، ولكن عن شعور ديني ليس غير. استمع إليه يقول مهنئًا عبد الحميد بعيد جلوسه في سنة ١٩٠١:
لمحت جلال العيد والقوم هيب ... فعلمني أي العلا كيف تكتب
ومثل لي عرش الخلافة خاطري ... فأرهب قلبي والجلالة ترهب
ولكنك لا تجد في ديوانه أكثر من قصيدتين يمدح بهما عبد الحميد ويهنئه، فهذه قصيدة والأخرى قالها في سنة ١٩٠٨ بعد عودة عبد الحميد من الحج، وكان الدستور قد أعلن، وأطلق سراج المسجونين السياسيين وهي التي مطلعها:
أثنى الحجيج عليك والحرمان ... وأجل عيد جلوسك الثقلان
ولكن يقول في غير مدح عبد الحميد قصائد أخرى في مناسبات تنم عن هذه العاطفة الدينية من مثل قصيدته في تأسيس الدولة العلية ١٩٠٦ والتي مطلعها: