للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنا نراه لا يأس حين تسقط الخلافة، وتزول من تركيا بعد الحرب العالمية الأولى إذا انقطعت الصلة التي كانت تربط مصر بتركيا، ولم يشعر نحوها كما كان يشعر من قبل.

ونرى عبد المطلب يثور ويغضب حين تعلن بريطانيا الحماية على مصر، وتتعسف في تسخير المصريين لخدمة الجيوش المحتلة، وتسوقهم كالأنعام لخدمة جيوشهم المحاربة، وتصادر أرزاقهم، وتحكمهم بيد غليظة آثمة: كان صريحًا عنيفًا، ولم يخش بأسًا، ولا عنتًا؛ وكان هو الصوت الأدبي المدوي الذي ثار وغضب، فمن ذلك قوله مشيرًا إلى من نفتهم سلطة الاحتلال:

وما ملهم فيها ثواء وإنما ... نجو بالنوى من ظلم أرعن أحمق

يناديه فينا قائد الجيش قومه ... وما قادهم إلا إلى شر مأزق

تسعف بالأحكام غير موفق ... وما ظالم في حكمه بموفق

فكم ساق من مصر إلى الموت فتية ... زهاها الصبا في عنفوان وريّق

جموع كأرجال النعام تلفها ... يد القهر للآجال من كل مَنْعَق

له عصب في غورها وصعيدها ... تخيير أبناء الشباب تنتقى

ومن لم يسقه السوط والسف ساقه ... إلى حيث شاءوا جهد عيش مرمق

ففي كل بيت صوت ثكلى مرنة ... وتحنان باك بالأسى متمنطق

ويقول منها في الحماية:

دجت يوم إعلان الحماية شمسه ... فيالك من يوم على مصر أورق١

به لقحت سود الليالي فليته ... قضى في بطون الغيب لم يتخلق

ويقول في المحتل الغاصب وسيرته بمصر:

يرى نفسه فوق القوانين بيننا ... متى ما نذكره القوانين يحنق

يبيح غدًا ما حرم اليوم بالهوى ... لغير الهوى في حكمه لم يوفق

إلاهة جبار وإمرة خاطل ... وتدبير أعمى في الحكومة أحمق

يقرب خوانًا ويرفع جاهلًا ... ويسعد أشقاها ويشقى بها التقى

إذا ما مضى هذا أتى ذلك بعده ... على النهج لم يعدل ولم يترقرق


١ الأورق: ما كان في لون الرماد.

<<  <  ج: ص:  >  >>