ويحاول أن يبرئ عبد الحميد مما وصم به، ويلقي التبعة على أتباعه وأعوانه، وحاشيته فهم الذين غشوه، وزينوا له الباطل، وخوفوه الموت، وافتروا عليه الكذب، ولذلك هم أولى بالعقاب دونه.
أليس الأولى غشوه أجدر بالأذى ... وأولى الورى بالشر من هو جالبه
هم اكتفوه بالدسائس وافتروا ... من القول ما يصمى عن الرشد كاذبه
وهم خوفوه الموت حتى كأنما ... يلاقيه في الماء الذي هو شاربه
ولا ريب أن أحمد محرم كان يصدر في مثل هذا الشعر عن نظرة سامية لمنصب الخليفة وبعده رمزًا لآمال المسلمين، ولا يريد أن تسوء سيرته في أذهان الناس، فتنتقص الخلافة معه، وتتزلزل مكانتها في النفوس، وقد لام صديقه أحمد الكاشف لأنه نشر قصيدة تهجم فيها على تركيا بعد أن كان يمدحها ويمدح خلفاءها ويشيد بهمم جندها وبلائهم في الحروب ويصور هزائمهم انتصارات، وسيئاتهم حسنات، ويعيب عليه كيف يذم بني جنسه، وفيه دم تركي، وذلك حين يقول له:
عذلت بني عثمان والعذل يؤلم ... وملت عن المدح الذي كنت تنظم
يلي! إنها الأوطان هاجك أنها ... بأدي بني التاميز نهب مقسم
فجردت غضبًا ذا غرارين مخدمًا ... تسيل المنايا منه أو يقطر الدم
حنانك في القوم الألي أنت منهم ... ورأيك في الأهل الذين هُم هُم
ولمال اشتدت الحركة الوطنية بمصر على يد مصطفى كامل، وظهر من يدعو للقوية المصرية خالصة من دون الترك والإنجليز، نرى أحمد محرم يلبي الدعوة قويًّا صريحًا جريئًا شأن المؤمن الذي لا يرهب إلا الله، ولا يبالي أصابه الضر فيما يقول أم الخير، وقد قال في الرد على خطبة كرومر التي رمى فيها المصريين بالتعصب، وحمل على الإسلام حملة ظالمة قصيدة طويلة مطلعها:
رويدك أيها الجبار فينا ... فإن الرأي ألا تزدرينا
وطالما تغنى بحب مصر وأمجادها، بعد أن يئس من تركيا وتحطم المثل