لقد غضب حين رضى قومه بالاستقلال الزائف، وتوج الجهاد الطويل بالخداع والمداهنة، ولذلك كان جريئًا في لومه وتعنيفه لساسة مصر حينذاك ولقد تميز محرم دائمًا بالجرأة، ولما رأى من عباس انحرافًا عن الجادة، ومهادنة للإنجليز، واستنزافًا لمال الشعب، وانصرافًا عن الإصلاح لم يتردد في أن يقول فيه ما كان يعد في ذلك الوقت جريمة، ويعرض صاحبه للعقاب الصارم:
أضر الناس ذو تاج تولى ... فما نفع البلاد ولا أفادا
وكان على الرعية شر راعٍ ... وأشأم مالك في الدهر سادا
وتدعوه الرعية وهو لاهٍ ... فتصدع دون مسمعه الجمادا
حياة توسع الأخيرا عارًا ... وذكر يملأ الدنيا سوادا
فإيه يا عزيز النيل إيه ... أما ترضى لملكك أن يشادا
وللشعب المصفّد أن تراه ... وقد نزع الأداهم والصفادا
وقد قال بيته المشهور يعرض بعباس وقد سمن على دماء الشعب، بينما صار الشعب هزيلًا.
رأيت الشعب والأمثال جم ... على ما كان مالكه يكون
وأعجبت ما أرى شعب نحيف ... يسوس قطيعة راع بدين
فإذا كان هذا مبلغ جرأته في تلك الآونة، على من يتمسح كل الشعراء بأعتابه، ويزيجون إليه المدح الكاذب! فيحجم محرم عن نقد سعد وغير سعد إذا ظن أنهم فرطوا في حق بلادهم. ولقد شرح لنا مذهبه وعلل غضبته كلما مس مصر ضر أو حاق بها شر في قوله:
يا نيل والموفون فيك قلائل ... ليت الذعاف لمن يخونك مشرب
أيخون عهدك غادر فيضمنه ... ما بين جانحتيك واد مخصب
قتل الوفاء، فما غضبت وإنما ... يحمى الحقيقة من يغار ويغضب
ولذلك كان متتبعًا في حرص بالغ شئون السياسة المصرية، وخطوات ساستها ولم يدع مقامًا إلا أدلى فيه برأيه، صادعًا بكلمة الحق، محذرًا، وناصحًا ومشجعًا ومقرعًا على حسب الموقف الذي يقفه الزعماء والمصلحون.