اضطرمت في أرجاء البلاد، فإذا ما تصدعت صفوف الأمة، وصارت أحزابًا وشيعًا لا يعتزل الأحزاب كما اعتزلها محرم، ويسدي لها قول الناصح الأمين، وإنما ينحاز لفريق الأحرار الدستوريين فيمدح محمد محمود باشا، ويخصه بكثير من الثناء في مختلف المناسبات، ويمدح إسماعيل صدقي، وعلي ماهر وغيرهم، ولذلك سبب خاص يدركه من عرف البيئة التي عاش فيها الكاشف، فقد كانت أسرة الخطيب بالقرشية "بلد الكاشف" ذات جاه ونفوذ وثروة، وكان شوقي الخطيب في أول أمره نائبًا وفديًا ولم يكن الشاعر في صفاء مع هذه الأسرة كما لم يكن في صفاء مع أسرة المنشاوي من قبل، فانحاز إلى خصومهم السياسيين علهم ينصرونه إذا حزبه الضر، أو اشتدت وطأة خصومه عليه:
ولكن حسب الكاشف قوله في وداع كرومر:
ولبثت تبدو في زخارف مخلص ... للقوم تخفي ما اعتزمت وتحجب
غافلتهم حينًا فلم يتلفتوا ... إلا ونابك فيهم والمخلب
هل أنت فينا فاتح أو وارث ... أو قيهم أعلى وجار أقرب؟
أتطيل بينهم مقامك جاهدًا ... وتقول لم يتعلموا ويهذبوا
وختمت عهدك بالذي اهتزت له ... أركان مكة واستغاثت يثرب
ويشير في البيت الأخير إلى حادثة دنشواي، واسمعه يقول لكتشنر:
لسنا قطيعًا غاب راعيه كما ... كنا ولست الضيغم الفتاكا
فأقم بمصر مقام ضيف محسن ... وعليهم أن يكرموا مثواكا
وأذكر لوادي النيل نعمته عسى ... تعطي بنيه بعض ما أعطاكا
ولقد كان للنهضة القومية كما رأيت أثر بارز في الشعر الحديث، وكانت النهضة السياسية ويقظة الأمة من العوامل الفعالة في هذا الشعر، ولقد وجد لون جديد من الشعر السياسي في هذه الحقبة، وهو الأناشيد القومية، التي يتغنى بها الناس جماعات؛ وأول من نظمها في الأدب الحديث هو رفاعة الطهطاوي كما عرفت في الجزء الأول١، بيد أن شعراء القرن التاسع عشر الذين أتوا بعد رفاعة
١ راجع ص٣٣ من كتاب: "في الأدب الحديث" الجزء الأول.