الطهطاوي، لم يعنوا بهذا النوع من الشعر، وإذا لم تكن الأمور السياسية بمصر على ما يرام، وتوالت عليها النكبات بعضها في أثر بعض، وانتهت بالاحتلال المشئوم، ثم بوضع الحماية على مصر، فلما كانت الثورة القومية، في سنة ١٩١٩ تبارى الشعراء في وضع الأناشيد القومية، وقد نجح بعضها، ولم ينجح كثير منها؛ لأنه يشرط في النشيد القومي: قوة العبارة وسهولتها، وألا يكون وعظًا بل حماسة ونخوة، وأن يكون موضوعًا على لسان الشعب، وموافقًا لكل زمان١. ولكل أمة من أمم الغرب نشيد وطني تزهوبه، ويتغنى به الشعب في حفلاته العامة وينشده الطلبة في المدارس، والجنود في الميدان، فهو يعبر عن أمال أمة، ويبث في نفس كل فرد منها الحمية والحماسة، ويدفعه إلى العمل؛ إنه صورة مركزة للمثل العليا التي تنشدها أمة من الأمم، ولقد كان لنشيد "المارسلييز" أثر عظيم في الثورة الفرنسية، وقد ترجمه رفاعة بك إلى العربية شعرًا ولكن النشيد الذي يصلح لأمة لا يصلح لسواها، وقديمًا كان الفارس العربي يرتجز البيتين والثلاثة قبل المعركة ليثير في نفسه الحماسة، ويوهن من قوى خصمه المعنوية ولكنه كان نشيدًا فرديًّا ينشئه صاحبه لساعته.
وقلما تجد شاعرًا من شعراء العصر الحديث ليس له نشيد قومي، فهذا شوقي يشترك في مسابقة للأناشيد، تختار اللجنة نشيده ولكن هذا النشيد يموت؛ لأن العبرة ليست باختيار اللجنة أو اختيار الحكومة، وإنما بقوة النشيد، وسيطرته على نفوس الناس، وبقائه على الزمن ولو لم يعترف به رسميًّا، وقد تعرض نشيد شوقي لانتقاد كثير وفيه يقول:
بنى مصر مكانكم تهيا ... فهيا مهدوا للملك هيا
خذوا شمس النهار له حليّا ... ألم تك تاج أولكم مليا
على الأخلاق خطوا الملك وابنوا ... فليس وراءها للعز ركن
أليس لكم بوادي النيل عدن ... وكوثرها الذي يجري شهيا