للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأجنبية، ولا سيما في الأدب وهذا هو البستاني١ ينقل لنا إلياذة هوميروس شعرًا في مستهل هذا القرن، ويجدر بي أن أعرف بهذه الترجمة وبالمجهود الفذ الذي بذل فيها، فقد ابتدأ البستاني بنظم الإلياذة في أواخر سنة ١٨٨٧، وهو بالقاهرة نقلًا عن الترجمات الفرنسية والإنجليزية والإيطالية، ثم بدا له أن ينقلها رأسًا عن الأصل اليوناني، فدرس اليونانية على راهب يسوعي حتى أحكمها فراجع ما كان ترجمه، ونفح ما فيه من الخلل، وكانت الإلياذة ترافقه في أسفاره الكثيرة حتى انتهى من نظمها في ١٨٩٥، ووضع لها شرحًا، فكان عمله شاقًا راجع من أجله كثيرًا من الكتب العربية والأعجمية في الشعر العربي والأدب والتاريخ، ويتضمن الشرح نحو ألف بيت لمائتي شاعر عربي بين جاهلي ومخضرم، وإسلامي ومولد، قالوا في مثل معاني الإلياذة أو حوادثها، ويشتمل على طائفة كبيرة من أساطير العرب، وعاداتهم، وأخلاقهم، وأدابهم في بداواتهم، وحاضراته، وكان انتهاؤه منه في سنة ١٩٠٢، وطبعت الإلياذة وشرحها في القاهرة في ربيع سنة ١٩٠٣، ونشرت بمقدماتها وفهارسها ١٩٠٤ وهي تشتمل على نحو أحد عشر ألف بيت، ذلل فيها الشعر العربي وأوزانه للملاحم الطويلة، ومن المعلوم أن القيام بنظم مثل هذه الملحمة الطويلة لا يتأتى إلا إذا تحرر الشاعر من عبودية الوزن الواحد، والقافية الواحدة، وهكذا صنع البستاني، فإنه جعل الأناشيد على طرق شتى فمنها ما قطعه قصائد مختلفة، ومنها ما نظمه قصيدة واحدة من غير أن يراعي القافية الواحدة وتوسع في اتخاذ الموشحات والأراجيز، والمخمسات، وفي استنباط ضروب جديدة كالمثنى والمربع والمثمن وما أشبه، وحاول على قدر المستطاع أن يراعي لكل نوع مقامًا، ولكل موضوع بحرًا٢.

وقد أعطى البستاني بإخراجه الإلياذة شعرًا نموذجًا قوى الأسلوب مشرق الديباجة للشعراء الذين يحاولون نظم الملاحم، أو نظم المسرحيات، وكيف يتصرفون، ويتحللون من نظام القصيدة؛ ونحن لا يعنينا الآن الخوض في قيمة الإلياذة، وأثر نقلها في اللغة العربية بقدر ما يعنينا تلك الطريقة التي ترجمت بها،


١ هو سليمان بن خاطر بن سلوم بن نادر البستاني ولد سنة ١٨٥٦، وتوفي سنة ١٩٢٥.
٢ راجع مقدمة الإلياذة للبستاني، وأدباء العرب لبطرس البستاني ص٣٤٠- ٣٤٢ ومجلة المشرق للأب لويس شيخو ١٩٠٤ ص٨٦٥ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>