والمقدمة التي كتبت لها فقد كانت درسًا جديدًا في مستهل هذا القرن لدراسة الأدب، والنقد الأدبي، على غير ما ألف نقاد ذلك الوقت من الاهتمام بالألفاظ والمعاني وائتلافهما وأوجه البيان، والأخطاء اللغوية، وما شاكل ذلك، بدون درس وتحليل، ومعرفة العلل والأسباب والنتائج، والموازنة بين الآداب بعضها وبعض، ولذلك كانت هذه المقدمة ذات أثر جليل في النقد الأدبي، وما زالت حتى اليوم تحتل هذه المكانة لدى من يقدرونها قدرها.
ولا ريب أن انتشار التعليم وكثرة المطابع، والمؤلفات، والكتب المترجمة من شتى اللغات في الآداب والعلوم، قد أفاد الأدب فائدة عظيمة؛ لأن ثقافة الأديب قد اتسعت آفاقها، وثقافة القارئ لم تعد تقنع بالشعر التافه، والخالي من المعاني، أو بالشعر التقليدي الذي لا يمثل حياة الأمة، ولا يعبر عن مشاعرها، ولا يغذي عواطفها، ولقد اشتد بعد الحرب العالمية الأولى الإقبال على تقليد الآداب الأوربية في موضوعها، وطريقتها، وقالبها فانتشرت القصة بأنواعها، وكثرت الترجمة لها ثم محاكاتها، ونقلت مسرحيات عديدة مثلت في دور التمثيل المصرية، وأخذ الأدباء، ومحترفوا التمثيل يضعون على نمطها مسرحيات تعالج مشكلات المجتمع المصري١. وليس من همي في هذا المقام أن أفيض في الكلام على القصة، أو المسرحية، أو المقالات النثرية، أو الكتب الأدبية التي تأثرت بطريقة البحث الغربية، من حيث التمحيص والتحليل، والتعرف على الأسباب والعلل والوصول إلى أحكام واستنباطات صحيحة أو قريبة من الصواب على الأقل، فإن غايتي الآن أن أدرس العوامل المؤثرة في الشعر.
لقد اطلع الشعراء على الكتب المترجمة؛ وعرفوا ألوانًا من الأدب الغربي، وكثير منهم كان على صلة بهذا الأدب من غير وساطة، فحاولوا التجديد في أسلوبهم، وموضوعاتهم وحاولوا الخروج على تقاليد الشعر العربي القديم، أو
١ مثل محمود تيمور في رواياته الشيخ جمعة، والحاج شلبي سنة ١٩٣٠، والشيخ عفا الله، وأبو علي سنة ١٩٣٤، والوثبة الأولى، ومثل قصص عبد القادر المازني في صندوق الدنيا ومثل مسرحية ليلة كليوباترا للدكتور حسين فوزي والضحايا لأنطون يزيك، والوحوش لمحمود كامل، والأنانية لإبراهيم المصري، ومن أهم المسرحيات التي كان لها أثر في المسرح المصري، "مصر الجديدة: ومملكة أورشليم، وصلاح الدين" لفرج أنطون المتوفى سنة ١٩٢٢ وقد وفينا هذا الموضوع حقه في كتابنا "المسرحية -نشأتها وتاريخها وأصولها".