التجديد في أغراضهم ومعانيهم، وقد خطا شوقي أمامهم خطوة واسعة بوضعه عدة مسرحيات تاريخية شعرية، وهم اليوم ينسجون على منواله؛ وظهرت مذاهب أدبية جديدة في الشعر ثائرة على الشعر القديم، حمل لواءها مطران، وشكري، والمازني، والعقاد، وشيبوب، وجاراهم شباب الأدباء.
وأهم ظاهرة تستحق التسجيل هي العناية باللغة العربية، والأسلوب، وبلغ هذا الأسلوب غايته عند شوقي في الشعراء، وإن شعراء المدرسة الحديثة يؤثرون الاهتمام بالموضوع والمعاني على الاهتمام باللفظ والأسلوب؛ ولكن يظهر أن طبيعة الشعر العربي تتطلب جودة الأسلوب وحسن النغم، وجمال الموسيقى، ولذلك لم تستسغ الآذان، أو لم تتعود بعد شعورهم هذا، فلم يلاقوا من الشهرة، والإقبال ما قدروا لأنفسهم.
وقد كان من أثر هذه الثقافة العامة الواسعة للشعب أن ارتقت الأغاني، ونظم كثير منها باللغة العربية الفصيحة، وتركت "الأدوار" و "المواويل" التي كانت تنظم بالعامية، ومن يتصفح ديوان إسماعيل صبري يجد بآخره مجموعة من الأغاني التي نظمها الشاعر باللغة العامية، مجارة لزمنه، وجمهوره، ولكنا منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى حتى اليوم قد ألفنا سماع كثير من الأغاني الجيدة بالشعر الجيد العربي الفصيح، والفضل في ذلك لشوقي، واختياره أبرع الموسيقيين لتلحين تلك القطع الرائعة من الشعر الغنائي التي جاءت في رواياته المسرحية مثل:"أنا أنطونيو" ومن غير مسرحياته مثل: "يا شراعًا وراء دجلة"، "ولي مثل ما بك يا قمرية الوادي" وحظى شعر شوقي بعد وفاته بإقبال المغنين عليه، ويختارون منه القطع الرائعة، كنهج البردة، والهمزية، والسودان وحذا الشعراء حذو شوقي، وأقبلوا على وضع القطع الغنائية باللغة الفصحى، واستساغ الشعب هذه الأغنيات، وحفظها ورددها، وذلك ولا شك رقى بذوقه اللغوي، ونهوض به. ونرى المغنين حين تعوزهم القطع الغنائية الجديدة، ينقبون في الشعر العربي القديم على القصائد التي تصلح للتلحين الحديث، وهكذا نهض الغناء نهضة تبشر بأن ذوق الأمة سائر نحو التهذيب الصحيح، وأن اللغة العربية في طريق السيادة التامة، حتى على ألسنة الجمهور.