للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكم صانوا كرامة ذي إباء ... وكم صاغوا لبائسة حجابا

وكم مدوا لذي الحاجات راحًا ... تسابق في تكرمها السحابا

وأما قصيدة الغلاء، فقد قالها بعد أن فتكت الحرب بما اختزن الناس وما بقي في مصر من خيرات أربع سنوات كاملة، وكان أشد الناس أَلَمًا من الغلاء هم موظفو الحكومة.

فوا رحمنا لابن الحكومة قوسه ... قلوع وهل يجرى سداد قلوع١

ومن حوله غرثى، عيال ونسوة ... طواها الطوى في ذلة وخضوع٢

تقلب في جوع وعرى يؤودها ... وحسبك من عرى يؤود وجوع٣

غلا كل شيء من مرافق عيشها ... على ربها من مُسْلَم ومبيع

وهذا شعور من اكتوى بنار الغلاء، عجزت موارده وقصرت يده عن تحقيق رغباته ورغبات أسرته الضرورية، فهو يصف حالة عاناها، وآلامًا قاساها، وقد كان موظفًا عفيفًا محدود الدخل، فهو وحافظ إبراهيم صادقان، وصدرا في وصف الغلاء عن شعور صحيح، أما إسماعيل صبري، أو شوقي، أو مطران، فلم يحسوا بعوز أو ضيق من خلال الحرب الأولى، ولذلك لم يخطر لهم ببال وصف الغلاء، وما فعله بالناس.

ولأحمد محرم أكثر من قصيدة في مشكلة الفقر والغنى، وهو قوي في شعوره، غني في تصويره، جريء في تعبيره، مما يدل على شدة انفعال، وفرط حساسية، استمع إليه يصف هذا البؤس في أحد مناظره:

رأيت الهول ينبعث ارتجالًا ... فتنصدع القلوب له بديها

رأيت البؤس يركض في جلود ... بجانبها النعيم ويحتميها

رأيت بيوت ساغبة تلوَّى ... كأمثال الأراقم ملء فيها

تريد طعامها والبيت مُقْو ... فتوشك أن تميل على بنيها

أنيلونا الديات ولا تكونوا ... كمن يردى النفوس ولا يديها


١ قوس قلوع: تنقلت حين النزع فتقلب.
٢ غرثى: جياع.
٣ يؤودها: يبلغ منها الجهد والمشقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>