فهو يحمل الأغنياء وزر قتل الفقراء مسغبة وبؤسًا، وحق القاتل شرعًا أن يدفع الدية، وإلا كان مجرمًا وسفاحًا خارجًا على القانون، اللهم إلا إذا عامل البشر معاملة الحيوان الأعجم الذي يذبح، ولا دية له، وهو ينعى على أثرياء مصر أثرتهم. وعدم اهتمامهم بهؤلاء الذين يعولون، ويصرخون ويغولهم الفقر ويفتك بهم البؤس والشر:
أكل امرئ في مصر يسعى لنفسه ... ويطلب أسباب الحياة لذاته
طروب الأمانى ما يبالي بشعبه ... وإن ملأ الدنيا ضجيج نعاته
إذا نال ما يرجوه لم يعنه امرؤ ... سواه ولم يحفل بطول شكاته
سواء عليه منزل السخط والرضا ... إذا نال ما يرضيه من شهواته
يرى الدين والدنيا ثراء يصيبه ... وقصرًا تزل العين عن شرفاته
وهكذا نرى بعض الشعراء قد تأثر لهذه المشكلة الاجتماعية، التي لا تزال جاثمة رابطة في مصر الغنية، لم تحل بعد، ولم يرعو ذوو اليسار من غيهم، أو يزدجروا عن شرهم أو يطامنوا من شهواتهم، أو يتستروا في مباذلهم، وتظاهرهم هذا بالفساد يعتصر قلوب مواطنيهم الذين لم يواتهم الحظ من ثراء مورث، أو مغتصب، فيزدادون عليهم حقدًا وموجدة، وتعمل في نفوسهم المبادئ الفتاكة عملها.
ولقد كان لدى شعراء الجيل الماضي حساسية، وإدراك لأدواء هذه الأمة، فقالوا، وحضوا على الإحسان، ونبهوا الأثرياء، ولكن ما لنا اليوم وقد خفت صوت الشعر والمشكلة لا تزال على أشدها، والغلاء الشنيع قد طوح بكل القيم؟ ١.
على أن مشكلة الفقر والغنى ليست المشكلة الوحيدة التي نظر إليها شعراء الجيل الماضي بل اهتموا بكل ظاهرة من ظواهر التقدم والرقى، وكل ما يحفز الأمة على أن تتبوأ مركزها العظيم الذي يليق بماضيها الحافل بالحضارات، واهتموا كذلك بكل بادرة من داء يوهن هذه الأمة، ويمكن لأعدائها، أو يضعف بنيها.
١ لقد تغير الوضع بعد ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ وقامت حكومة الثورة بعدة إصلاحات جذرية لمعالجة هذه المشكلة وتلافي التفاوت الشنيع بين الطبقات كان من أهمها قانون الإصلاح الزراعي، والقضاء على الإقطاع والرأسمالية والاحتكارية وتأميم الشركات الكبرى، والسير في طريق الاشتراكية المبنية على الكفاية والعدالة الاجتماعية.