للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويشتد الخلف بين المسلمين والأقباط في سنة ١٩١١، وتكاد تكون فتنة عمياء، يغذيها المستعمر المحتل، فيناشد عباسًا أن يتدارك الأمر قبل أن تعم الفتنة، وتتصدع وحدة الأمة بقصيدته التي مطلعها.

كم تحت أذيال الظلام متيم ... دامي الفؤاد وليله لا يعلم

ويقول على لسان متصوف فاسق، يتظاهر بالصلاح والتقوى، وهو مغرم بغلام١، وفي أضرحة الأولياء والتمسح بها٢، ولكن حافظًا لا ينسى بعض مظاهر النهضة، وإن لم يفض فيها أو يتتبعها كما تتبعها شوقي، فيقول في مشروع الجامعة قصيدتين، الأولى سنة ١٩٠٧، والثانية ١٩٠٨، ويقول في معاهد البنات المختلفة أكثر من قصيدة، ويرى النهضة الدينية تقوى في مصر ولا سيما بعد الحرب العالمية الأولى، ويفطن كثير من مصلحي هذه الأمة إلى أن الدين عصمة من المفاسد التي طغى طوفانها في خلال الحرب العالمية الأولى، وكثرة الواردين على مصر من مختلف الجيوش المحاربة، واستحكام الغلاء، وبيع الضمائر، والاستهتار بالتقاليد، وكانت ثورة عامة في العالم أجمع، عصفت بالقيم الخلقية، والفضائل السامية، واشتد طغيان المادة، والإقبال على لذاذات الحياة، وجرت مصر في هذا التيار، وخشي بعض المصلحين أن تنهار البقية الباقية من أخلاق الشباب، الذين ألفوا التسكع في الطرقات والتطرى كما يتطرى النساء، والتهجم على الحرمات، فأسست جمعية الشبان المسلمين في سنة ١٩٢٧، وهرع الشباب إليها من كل صوب وحدب بالمئات والألوف وظلت سنوات تعمل على إيقاظ الشعور الديني في الناشئة، ذلك الشعور الذي حاول المستعمر الغاصب أن يقضي عليه منذ وطئت أقدامه أرض مصر، بفرضه التعليم باللغة الإنجليزية ومحاولة إضعاف اللغة العربية، لغة القرآن، وباهتمامه في برامجه بالتافه من المعلومات التي لا تقوم خلقًا، ولا تهذب نفسًا، ولا تنمي فضيلة، ولا تخلق رجالًا، وزاد الأمر سوءًا إهماله التعليم الديني في المدارس المدنية، فلم يعد


١ ج١ ص١٦٠ ديوان حافظ.
٢ ج١ ص٣١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>