في نفوس المسلمين في مشارق الأرض وأكبر فضل في تقوية الشعور الديني بمصر، وإيجاد صحافة قوية ممتازة تدافع عنه، وعن أمجاد المسلمين، إذ أنشأ "الزهراء" ثم "الفتح". وغذاهما كثير من الشعراء بالقصائد المنبعثة عن عاطفة دينية قوية مثل أحمد محرم، وصادق عرنوس وغيرهما.
وكان إيجاد هذه الجمعيات الدينية، والحصافة التي تدافع عن الدين رد فعل لموجة من الإلحاد سادت بعض المفكرين الذين تشبعوا بالعلم الغربي، وفتنوا به، ولم يعرفوا الإ سلام حق معرفته، أو عرفوا ورغبوا في الشهرة الزائفة بالخروج على إجماع الأمة، وأخذ هؤلاء ينشرون أبحاثًا وكتبًا ومقالات، تأثروا فيها بآراء المستشرقين، الذين لم يهتموا بدراسة اللغات الشرقية، والدين الإسلامي، إلا ليطعنوا فيها وليشككوا أهله في قيمته، وليكونوا عونًا لحكامهم المبالغين في الاستعمار، وقد خدع بعضهم، وظنوا أن هؤلاء المستشرقين يصدرون في أحكامهم عن نية خالصة ودراسة ممحصة وعقل سليم، فجاروهم في أفكارهم، وعملوا على نشرها بين مواطنيهم. ولكن العاطفة الدينية القوية المتمكنة من نفسية هذا الشعب والتي أيقظها المصلحون، ونبهوها إلى الخطر المحدق قد أحبطت مساعي هؤلاء المفتونين، وثارت في وجوههم وانبرى للرد عليهم كثير من الأعلام، وحملتهم على الصمت، ثم على الرجوع عن إلحادهم، بل إن منهم من اضطر إلى أن يتملق الجمهور، ويدرس هذا الدين دراسة جديدة، ويؤلف فيه وفي رجاله، وراج هذا النوع من الأدب، فأقبل على التأليف فيه من كان مجافيًا له، وصارت عندنا ثروة دينية في الأدب الحديث من مثل: على هامش السيرة للدكتور طه حسين والعبقريات للأستاذ العقاد، ومحمد، وأبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب لهيكل ومحمد وأهل الكهف لتوفيق الحكيم.
وقد اشتد الوعي الديني بين الطبقة المثقفة من الأمة وأقبلوا على ينابيعه الصافية ينهلون منها بشغف هربًا بنفوسهم من أدران الحضارة المادية التي اجتاحت مصر والشرق العربي وافدة من الغرب، وكثرت الكتب الدينية التي تقرب العقيدة وتبسطها من عامة الجمهور، كما صار للدين مجلات وصحافة