للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو بهذا يشرح تلك النظرية التي قال بها شكري وحدد فيها مهمة التشبيه، وقرر الفرق بين التخيل والوهم.

وفي الحق إن هذا فهم طيب لوظيفة الشعر وهو أن ينقل الأثر الذي انطبع في نفس الشاعر إلى سامعه فيزيد الموصوف قوة وجلاء. فالشعر هو التعبير الجميل عن الشعور الصادق، وإن كان الكشف عن حقائق الأشياء ولبابها لم يهتد إليه أحد بعد، وبحسب الشاعر أن يبين لنا في صيغة عذبة أثر الأشياء في نفسه وعاطفته إزاءها.

ونرى العقاد أكثر وضوحًا في نقده حين يقول: "إن القصيدة ينبغي أن تكون عملًا فنيًّا تامًّا، يكمل فيه تصوير خاطر أو خواطر متجانسة، كما يكمل التمثال بأعضائه، والصورة بأجزائها، واللحن الموسيقي بأنغامه، بحيث إذا اختلف الوضع، أو تغيرت النسبة أخل ذلك بوحدة الصنعة وأفسدها. فالقصيدة الشعرية كالجسم الحي يقوم كل قسم منها مقام جهاز من أجهزته"١.

ولقد قال بعض النقاد القدماء بوحدة القصيدة كالحاتمي وهو من علماء القرن الرابع الهجري: "مثل القصيدة مثل الإنسان في اتصال بعض أعضائه ببعض، فمتى انفصل واحد عن الآخر وباينه في صحة التركيب، غادر الجسم ذا عاهة تتخون محاسنه، وتعفى معالمه، وقد وجدت حذاق المتقدمين، وأرباب الصناعة من المحدثين يحترسون في مثل هذه الحال احتراسًا يجنبهم شوائب النقصان، ويقف بهم على محجة الإحسان، حتى يقع الاتصال ويؤمن الانفصال، وتؤتي القصيدة في تناسب صدورها وأعجازها وانتظام نسيبها. بمديحها كالرسالة البليغة، والخطبة الموجزة لا ينفصل جزء منها عن جزء"٢، وإن كان هذا الكلام يخالف بعض الشيء ما قال به العقاد فهو لم يكتف بأن تكون القصيدة ذات موضوع واحد، بل تطلب أن تكون كائنًا حيًّا: وبهذا نادى بالوحدة العضوية، ونكرر هنا ما قلناه آنفًا من أن الشعر الغنائي الوجداني لا يمكن أن تتحق فيه هذه الوحدة العضوية إلا إذا كان أقصوصة غنائية؛ لأن الوجدان يأتي على دفعات وموجات ولا يكون شعورًا دائمًا متصلًا وفكرة متماسكة مترابطة.


١الديوان ص٤٦ ج٤.
٢ زهرة الآداب للحصري ج٢ ص١٧، وابن الرومي للعقاد ص٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>