للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعدها الأفق ورحب على أثرها المجال، وتفتحت أبواب التعبير المغلقة، ومن شاء أن يقدر فضل المفعول المطلق على اللغة وعلى العقل الإنساني أيضًا فليتصورها مجردة منه ولينظر إليها كيف تعود أو إلى أي حد تضيق"١.

والشعر في رأي المازني ذاتي شخصي مثله في ذلك مثل شكري والعقاد فهو عنده خاطر لا يزال يجيش بالصدر حتى يجد مخرجًا ويصيب متنفسًا، وهو غنائي خالص ليست له وظيفة سوى التنفيس الشخصي عن قائله٢.

ويرى المازني أن الشعر ابن الخيال، إذ لم يكن للخيال فيه مجال فهو غث لا خير فيه ويستشهد برأي سانت بيف: "ليس الأصل في الشعر الاستقصاء في الشرح والإحاطة في التبيين، ولكن الأصل فيه أن نترك كل شيء للخيال"٣.

وهذا يخالف ما دعت إليه هذه المدرسة من الاهتمام بالمعاني، وما اشتهرت به من إعجابها بابن الرومي الذي كان يستقصيها في شعره حتى يستنفدها، والمازني في هذا يتمشى مع مذهب العرب في الشعر الذي أشار إليه البحتري:

والشعر لمح تكفي إشارته ... وليس بالهذر طولت خطبه

ويتفق المازني مع مذهب العرب في شيء آخر حين يقول: "والشعر في حقيقته لغة العواطف لا العقل، وإن كان لا يستغني عن العقل فيما يخدم هذه العواطف، وليس هو بشعر ما لم يعبر عن عاطفة أو يثيرها.... وبما أن العاطفة تحتاج إلى لغة حارة تعبر عنها، فقد استخدمت المحسنات البديعية، والعاطفة إذ هي الأصل في هذه المحسنات، ولكن هذه المحسنات صارت مرذولة بالصنعة والتكلف أما عند شعراء الطبع فتأتي عفوًا، ولا تكاد تحس، فهي جميلة الوقع، معبرة تعبيرًا صادقًا عن العاطفة".

ويدافع المازني دفاعًا قويًّا عن ضرورة الوزن في الشعر، فكما أنه لا تصوير بغير ألوان كذلك لا شعر إلا بالوزن، وقد يكون النثر شبيهًا بالشعر في تأثيره،


١ راجع قبض الريح ص١٥٦.
٢ راجع مقدمة الجزء الثاني لديوان المازني ١٩١٢.
٣ الشعر غايته ووسائطه ص٣- ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>