للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الحق أن شعر مطران، وما فيه من القصائد الجديدة في مادتها، وطريقة عرضها ولا سيما تلك القصائد القصصية، "العصفور" و"الجنين الشهيد" و"فتاة الجبل الأسود" و"نيرون" و"حكاية عاشقين" الذي ظل ينظمها سنوات متتبعًا حوادث العاشقين، إذ ابتدأ فيها سنة ١٩٠٧، وانتهى منها سنة ١٩١٣. أقول: إن شعر مطران قد أثر في شعراء مصر حين سمعوه إما مباشرة أو غير مباشرة، ولقد حاول بعض النقاد أن ينسبوا إلى مطران كل تجديد في الشعر المصري ويقولون: إن إبراهيم رمزي لم ينظم قصة "يوسف الصديق" شعرًا في اثنتي عشرة قصيدة سنة ١٩٠٠ وإن نقولا رزق الله لم ينظم كليوباترا سنة ١٩٠٠ إلا بوحي من شعر مطران الذي دأب على نشره في المجلات قبل أن يجمعه في ديوان، بل إن عبد الرحمن شكري الذي أخرج أول ديوان له سنة ١٩٠٩ وهو بعد في العشرين من عمره وفيه قال حافظ:

أفي العشرين تعجز كل طوق ... وترقصنا بأحكام القوافي

والعقاد والمازني، وأحمد زكي أبو شادي وإبراهيم ناجي، وخليل شيبوب وعلي محمود طه المهندس، والصيرفي وكثير غيرهم من تلامذة مطران، ومن الذين تأثروا بطريقته الجديدة، وإن اختلفوا عنه بعد ذلك، واستقل كل بمذهب خاص به١ فعكف شكري على دراسة الأدب الإنجليزي الواقعي الذي كان سائدًا في إنجلترا في أخريات القرن الماضي وأوائل هذا القرن، وساد شعره التشاؤم والانقباض والخوف من الحياة، وترديد ذكر الموت، ووصف ما يعانيه الأموات، كأنما شاهد ذلك بنفسه، وتبعه العقاد والمازني رزحًا من الزمن وإن لم نجد في شعرهما هذا النزوع العجيب إلى التحرك وإلى التحرر المطلق كما في قصيدة شكري "كلمات العواطف" التي نظمهما من الشعر المرسل، وقد أولع بهذا النوع فنجد له في الجزء الثاني قصيدة منه عنوانها "واقعة أبي قير" وأخرى "نابليون والساحر المصري" وبذلك كان أول من أدخل هذا النوع من الشعر في العربية،


١إسماعيل أدهم ص٣٣- ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>