للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن العجيب أن دعاة التجديد في مصر أمثال مطران، والعقاد وشكري والمازني، لم يجرءوا على اقتحام هذا الميدان كما فعل شوقي، ولكن ظهرت بعده طائفة من الشعراء ترسموا خطاه في المسرحية الشعرية منها "قيس ولبنى" و"العباسة" و"عبد الرحمن الناصر" واتجه أخيرًا إلى المسرحيات الاجتماعية الشعرية كمسرحية "أوراق الخريف".

وبين شوقي وعزيز أباظة كثير من أوجه الشبه فكل منهما عاش عيشة مترفة، من بيئة ثرية، تضطرب في محيط الطبقة العليا من الشعب، وكل منهما قد عكف في أول أمره على الشعر الغنائي، وإن كان شوقي أوسع أفقًا، وأطول باعًا، وأبرع قصيدًا، وأغزر معنى، وأسمى عبارة، وأحكم صياغة، وأكثر تجديدًا على أن أباظة كان أغزر عبرة وأغنى عاطفة في ديانه "أنات حاذرة" الذي سفح فيه دموعًا تنطق بوفائه لزوجه بعد وفاتها، وثمة فرق آخر: وهو أن عزيز أباظة قد أفاد من تجربة شوقي المسرحية فحاول جهده أن يتجنب ما وقع فيه من أخطاء، كما أنه احتك كثيرًا برجال المسرح فرعف أصوله وقواعده. ومن الشعراء الذين ترسموا خطى شوقي كذلك محمود غنيم وله "المروءة المقنعة" و"غرام يزيد" ومنهم على عبد العظيم وقد ظهرت له "ولادة" وأحمد باكثير وله "قصر الهودج".

كانت موضوعات مسرحيات شوقي من التاريخ، ولم ينظم مسرحية اجتماعية، ولم يبلغ فنه القصصي غايته فيما نظم؛ لأنه كان متأثرًا بالمسرح الغنائي، لا المسرح التحليلي، ولكن حسبه فضلًا أنه سد الثغرة في الأدب العربي، وأتى بما لم يستطعه سواه من معاصريه.

أما معاني الشعر الحديث وخيالاته وصوره، فما لا شك فيه أن شعراءنا قد- تأثروا بقراءتهم للأدب العربي القديم حتى استقام أسلوبهم وتملكوا ناصية البيان، ووعت عقولهم مئات من الصور والمعاني القديمة أرادوا أو لم يريدوا وظهر أثر هذا في شعرهم، ولكنهم أضافوا إليها كثيرًا مما قرءوه في الأدب الغربي إما

<<  <  ج: ص:  >  >>