للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مباشرة أو عن طريق الترجمة، وقد اهتموا بالمعنى اهتمامًا بالغًا، وآثره كثير منهم على الصياغة، ومن الشعراء الذين جددوا في المعاني حق التجديد: الرافعي، ومطران، وشعراء المدرسة المصرية الذين تأثروا بالأدب الإنجليزي مثل شكري والمازني والعقاد وأبي شادي، وإن كان أكثر الجديد في شعرهم اقتباسًا من الشعر الغربي، ثم شوقي في بعض قصائده الممتازة.

لقد أصبح من الضروري لكل شاعر في عصرنا الحديث أن يتزود من ينابيع الثقافة المختلفة: من ينبوع الثقافة العربية ليستقيم أسلوبه، ويعرف تاريخه وعقيدته، ومواطن الفخر والمجد في أيام سؤدد وطنه، وحتى لا يقع في أخطاء فاحشة تزري به، وتسقط منزلته سواء أكانت أخطاء لغوية أو تاريخية أو دينية، ومن ينبوع الثقافة الأوربية الغربية التي تمكنه من مجاراة الحضارة الحديثة، والاطلاع على خير ما ابتكره الذهن الغربي في الأدب وعلم الاجتماع، وعلم النفس والتاريخ الحديث والقديم، وكثير غيرها من العلوم التي لا يجد مندوحة من الاطلاع عليها؛ لأن القصيدة الغنائية لم تعد وحدها هدف الشعر في العصر الحديث، فثمة القصة والمسرحية، وكلاهما في حاجة إلى دراسة طويلة في علم الاجتماع وعلم النفس والتاريخ لما يتطلبان من تحليل وتصور لمختلف الشخصيات.

لقد عاب بعض النقاد على شعرائنا كسلهم العقلي؛ لأنهم اكتفوا بعنايتهم الفائقة بأسلوبهم دون أفكارهم ومعانيهم، فوقعوا في أخطاء فاحشة، ولقد ضرب الدكتور طه حسين على ذلك مثلًا ما قاله حافظ وشوقي١ ونسيم في مترجم أرسطو أحمد لطفي السيد، وكيف أنهم قد عرضوا لذكر أرسطو ومدحه والإشادة بآثاره وسلطانه على الأجيال وهم لا يكادون يعرفون من أمره شيئًا، ويجهلون كتاب الأخلاق الذي ترجمه أحمد لطفي السيد.

والمعاني لا شك تأتي من كثرة الاطلاع، والتزود من تجارب الآخرين، وصدق النظرة في الحياة، كما تأتي مبتكرة من نتاج الفكر الخالص عند العباقرة.


١ حافظ وشوقي ص١١٨- ١١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>