للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى التأثر بالمعنى ومن فهم الحقيقة إلى الاهتداء للحقيقة، فالشعور والتأثر والاهتداء هي أصل الشعر ولا يكون شعر يخلو منها ومن آثارها إلا كلامًا كسائر الكلام ليس له إلا فضل الوزن والقافية مثال ذلك قول العقاد في الحب:

ما الحب روح واحد ... في جسدي معتنقين

الحب روحان معًا ... كلاهما في جسدين

ما انتهيا من فرقة ... أو رجعة طرفة عين

وإذا وازنا بين هذه الأبيات وبين أبيات مطران التي يقول فيها عن الحب:

أليس الهوى روح هذا الوجود ... كما شاءت الحكمة الفاطرة

فيجتمع الجوهر المستدق ... بآخر بينهما آصرة

ويحتضن الترب حب البذار ... فيرجعه جنة زاهره

وهذي النجوم أليست كدر ... طواف على أبحر زاجره

يقيدها الحب بعضًا لبعض ... وكل إلى صنوها صائره

تبين لنا الفرق بين من يلبس المعنى الطريف ثوبًا قشيبًا حين ينظر نظرة شاملة إلى الحياة وبين من يأتي بالحقيقة العارية ينظمها نظمًا غير شعري.

ومن الغزل الذي لا يصدر عن عاطفة ولا عن فكرة قول العقاد كذلك:

زرقة عينيك لا صفاء ... فيها ولكنه قضاء

حمرة خديك لا حياء ... فيها ولكنه اشتهاء

قوامك الرمح لا اعتدال ... فيه ولكنه اعتداء

يا حيرة القلب في هواه ... يا غاية العمر في مناه

وجهك سبحان من جلاه ... ولوث النفس بالطلاء

وخير الشعر ما سلمت فيه الفكرة، ووضحت، دون أن يفقد مقومات الشعر الأصلية من خيال رائق، وعاطفة قوية، وصورة واضحة، وموسيقى عذبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>