وما المرء إلا بخلق كريم ... وليس بما قد حوى من نَشَبْ
وله في أخلاق الناس، والتبرم بهم قصيدة طويلة حين ظهر "مذنب هالي"١ وتمنى صبري لو أنه صدم الأرض وأراحها من أهل النفاق والعقوق وأهل البغي والظلم إلى غير ذلك مما كان يؤلم حسه الرقيق، وأخلاقه الدمثة، فقال:
غاص ماء الحياة من كل وجه ... فغدا كالح الجوانب قفرا
وتفَشَّى العقوق في الناس حتى ... كاد رد السلام يحسب برًّا
وفيها يقول:
أغدًا تستوي الأنوف فلا يناظر ... قومًا على الأرض شزرًا
أغدًا كلنا تراب ولا ملك ... خلاف التراب برًّا وبحرًا؟
أغدًا يصبح الصراع عنافًا ... في الهيولي ويصبح العبد حرًّا
ومن قوله في الاعتداد بكرامته: ضنًّا بها عن أن تهانه:
لكسرة من رغيف خبز ... تؤدم بالملح والكرامة
أشهى إلى الحر من طعام ... يختم بالشهد والملامة
ومن شدة إبائه أنه لم يكن يتورع عن رد الإهانة على طريقته، ولو كان من أهانه عظيمًا، استمع إليه يقول:
أيها التائة المدل علينا ... ويك قل لي من أنت إني نسيت"
وفي قوله: "إني نسيت" تهكم مر؛ لأن هذا الشخص لو كان عظيمًا حقًّا ما نسيه صبري، ولكنه لا يستحق أن يذكره صبري، وهو بهذا يخبره أنه أرفع منه شأنًا:
وإذا خانه صديقه، وعقه وحاول إيذاءه تذكر عهد الوداد، فلم يرد على اعتدائه، وحافظ عليه.
إذا خانني خل قديم وعقني ... وفوقت يومًا في مقاتله سهمي
١ ظهر هذا المذنب في سنة ١٩١٠، وقيل: إنه كاد يمس الأرض ويصدمها، ولو حدث هذا لانتهت الدنيا، وسمى مذهب هالي نسبة لمكتشفه.