للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعرض طيف الود بيني وبينه ... فكسرت سهمي فانثنيت ولم أرم

وكان يؤثر الحلم على الغضب فإذا ما دعت دواعي الغضب، وأثارته الحادثات تذرع بالحلم، ورجع إلى نداء العقل.

إذا ما دعا إلى الشر مرة ... وهزت رياح الحادثات قناتي

ركبت إليه الحلم خير مطية ... وسرت إليه من طريق أناتي

وسترى تلك الدماثة والرقة، ولين العريكة واضحة في شعره، حتى في الموقف الذي يتطلب نضالًا وقسوة، ولقد ذكرنا شيئًا عن وطنية إسماعيل صبري فيما سبق١ وعن أثر الحالة الاجتماعية فيه٢، وأنه لم يكن ذلك الوطني المتحمس، بل كان حذرًا في كل ما يقوله كما أنه لم يقل شيئًا في مآسي الشعب ومشكلاته؛ لأنه كان في عزلة عنه إلا من خاصة أصدقائه الذين يتخيرهم بدقة.

ولقد كان إسماعيل صبري برما بالحياة على الرغم مما أوتيه من منصب وجاه ولقب وسعة في العيش، ولعل هذا راجع إلى أنه كان يأمل أن يصل بكرم خلقه وشاعريته إلى ما وصل إليه من هم أدنى منه موهبة، وممن وسموا بالتملق والنفاق وسيء الأخلاق، وقد أشار في شعره إلى أنه قد أصبح نسيًا منسيًا لا يذكر اسمه عند توزيع المناصب، لاعتزاله، وعدم طمعه في شيء منها، فكأنه في جوف الحيتان:

أين صبري؟ من يذكر اليوم صبري ... بعد أعوام عزلة وشهور

أسألوا الشعر فهو أعلم هلَّا ... أكلته الأسماك طي البحور

ومن دلائل برمه بالحياة، ذكره الكثير للموت، وتراه تارة ينظر للموت قلقًا:

أتزودت من ضياء البدور ... لليالي كثيفة الديجور


١ راجع ص١٢٣ من هذا الكتاب وما بعدها.
٢ راجع ص١٩١ من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>