للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض الأشخاص الذين كان يراهم في حينئذ أهلًا للمدح، ولا يريد بذلك إلى الفن، وإلا أن ينظم الشعر، ويرفعه إلى الممدوحين، وينشره في الصحف، ويتحدث الناس عنه بأنه شاعر١".

ولم يكن شعر صبري أول عهده بالأدب يبشر بشاعر مقتدر يحدث أثرًا يذكر في عالم الشعر٢، وأرى أن صبري على الرغم مما أسبغ عليه معاصروه من ثناء ومديح، وما أطروا به شعره، ولا سيما ذلك الذي قاله بعد عودته من فرنسا، وعلى الرغم من أنهم كانوا يلقبونه تارة بالرئيس، وتارة بشيخ الشعراء، ومن أنهم أثنوا على صدق عاطفته ودقة معانيه ورقتها لم يأت بجديد يذكر في عالم الشعر، وأنه فهم الشعر كما كان يفهمه الشيخ على الليثي، وإن كان أجود منه لفظًا، وأحسن معنى، وأمتن ديباجة. وإن شعر إسماعيل صبري امتداد لمدرسة القدماء، ولا أستطيع أن أقول: إنه امتداد لشعر البارودي. فشتان ما بينهما.

ولعل الذي جنى على صبري هو أنه ابتدأ حياته الشعرية مداحًا، ولم يجد النموذج المعاصر القوي في فن المديح؛ لأن البارودي لم يكن من فرسان هذا الفن وما ورد له قليل جدًّا بالنسبة لشعره، وفن المديح قد استنفدت معانيه في الأدب العربي منذ زمن بعيد، ولذلك أخذ يقلد القدماء من شعراء العربية ولكن لم تواته ذخيرة من محفوظ الروائع الخالدة على إجادة التقليد واكتفى بترديد المعاني المطروقة من قبل بأسلوب يناسب بيئته وثقافته. ولم يستطع فيما بعد التخلص من ربقة الأدب العربي القديم، ويفيد من دراسته للأدب الأجنبي أو من تقليد البارودي، أستاذ المدرسة التقليدية الحديثة.

ولم أجد شاعرًا صدق فيه القول: "بأن المعاصرة حجاب" خيرًا من إسماعيل صبري فلا شك أن الرجل لدماثة خلقه، وبعده عن المنافسات والحزازات، ورقته ولطف معاملته للناس قد أجمعت القلوب على محبته. وهم إذا نظروا إلى شعره


١ طه حسين في المقدمة ص٨.
٢ أحمد محرم في مجلة أبوللو سنة ١٩٣٤ ص١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>