ولا تجد بيتًا من أبيات هذه القصيدة، بل من قصائد المدح كلها عند صبري ليس له نظير في معناه، أو معناه ومبناه عند شعراء العربية الأقدمين؛ وذلك لأن باب المديح من أقدم أبواب المدح منذ اخترعه النابغة الذبياني، وجرى الشعراء على سنته، وافتنوا فيه، وأهم صفة كان يتحلى بها الممدوح في نظرهم: الشجاعة والكرم. هل من الجديد قول صبري في هذه القصيدة؟:
عوذت مجدك أن تنام وفي الحمى ... أمل عقيم أو رجاء مخفق
لقد قال المعري في هذا المجد المعوذ:
أعاذ مجدك عبد الله خالقه من ... أعين الشهب لا من أعين البشر
وفي معنى بيت صبري قول الشريف الرضي:
نعمى أمير المؤمنين حرية ... ألا تنام عن الرجاء المهمل
ويا ليت صبري صاغ القصيدة كلها صياغة قوية جيدة، فإنه لم يكن يقوى على المضي في القصائد الطويلة من غير أن يبهر نفسه، ويحل به الأين واللغوب، ويتردى في حمأة الكلام السوقي المسترذل. فمن ذلك قوله:
وأخذت رأي أولى النهي مستوثقًا ... مستوزرًا وكذا الحكيم يدقق
فهل هذا شعر؟ ويقول بعد هذا البيت:
حتى اهتديت إلى الصواب ولم يزل ... بين الصواب وبين رأيك موثق
وفي هذا اتهام لرأي الممدوح وطعن عليهن وإن حاول ستره بالشطر الثاني. وقال بعد هذا البيت:
والمحيل: ما أتى عليه الحول، أو ما صار من حال إلى حال. وقد أراد بالمحيل المحال فأخطأ. وبعد فهل هذا الأمر مشكل؟ وهل معرفة جهل الأمة وسوء حالها كان خافيًا على عباس، حتى أخذ رأي أولي النهي، واستوثق، واستوزر، ثم اهتدى بعد تخبط وضلال، فأين هذا من قول مهيار الديلمي: