للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكننا نعلم أن مدرسة "لامرتين" هي المدرسة الإبداعية التي عنيت بالأدب الذاتي عناية فائقة فانطلق شعراؤها يتغنون بكل ما يحسون به، كما أنها عنيت بالطبيعة واكتناه أسراراها، والتملي من محاسنها ومفاتنها، وعنيت كذلك بالإنسانية والمجتمع عناية بالغة تصور مشكلاته بحاسة، وكانت الحياة كلها موضوعًا لشعرهم، وبرعوا في تصوير العواطف براعة فائقة، وعنوا بالجمال والأناقة، ولم يأخذ صبري من هذا كله إلا الجمال والأناقة وترك الهيام بالطبيعة والإنسانية والمجتمع. وإن مدرسة الندمان هذه تشبه إلى حد كبير عشراء الأندية و"الصالون". "وإذا أتيح لك أن تحضر مجلسًا من مجالس الظرفاء القاهريين في الجيل الماضي خيل إليك أنك في حجرة رجل نائم مريض. فالكلام همس، والخطوة لمس، والإشارة في رفق، وسياق الحديث لا إمعان فيه ... في هذه البيئة نشأ إسماعيل صبري الشاعر الناقد البصير بلطائف الكلام، فنشأ على ذوق قاهري صادق يعرف الرقه بسليقته وفكره، وليس يتكلفها بشفتيه ولسانه"١.

هكذا يقرر الأستاذ العقاد، فإذا كان للأدب الفرنسي من تأثير عليه، فإنه زاده إمعانًا في رقته، وحبًّا في طريقته، وجعله شاعرًا عريقًا من شعراء المنادمة، لا شعراء الوجدان الذين يناجون نفوسهم، ويستوحونها الإلهام، ولا يفكرون في سواهم.

لقد برهن إسماعيل صبري بالقسم الأكبر من ديوانه الذي تضمن المديح والتهاني، والتقاريظ؛ وشعر الزينة، والمناسبات، وبتلك المقطوعات القصيرة التي تقال ليفهمها الناس والتي تعبر عن خاطرة عابرة، ولا فكرة متأصلة في نفس الشاعر، على أنه من مدرسة علي الليثي التي لا تختلف كثيرًا عن وجهة النظر الفرنسية في الشعر.

ولعله يقال إن عبقرية إسماعيل صبري قد تجلت في غير هذا الشعر الرسمي، تجلت في "مقطوعاته القصيرة يجري فيها ذوب قلبه، ويمزح فيها دم نفسه، بمعناه ولفظه، ويغني فيها لنفسه، ويقصد بها إلى بث لوعته وتخفيف كربته وتلطيف صبابته٢.


١ المصدر السابق ٣٢- ٣٣.
٢ أحمد أمين في المقدمة ص١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>