وهأنذا أعرض هذا النوع من الشعر لنتبين ما فيه من صدق العاطفة، وهل كان صبري فيه مجددًا، مخلصًا للفتن أو أنه تأثر بمدرسة الندماء، وبحياة "الصالون" قال صبري من قصيدته المشهورة "لواء الحسن":
يا لواء الحسن أحزاب الهوى ... أيقظوا الفتنة في ظل اللواء
فرقتهم في الهوى ثاراتهم ... فاجمعي الأمر، وصوني الأبرياء
إن هذا الحسن كالماء الذي ... في للأنفس ري وشداء
لا تذودي بعضنا عن ورده ... دون بع واعدلي بين الظماء
أنت يم السحن فيه ازدحمت ... سفن الآمال، ويزجيها الرجاء
يقذف الشوق بها في مائج ... بين لجين عناء وشفاء
ألا تشعر وأنت تقرأ هذه الأبيات أن صبري ليس محبًّا عاشقًا متيمًا؟ إن المحب ذا أثرة، وغيرة، ولا يرضى إلا بأن يكون المحبوب له وحده، ولكن صبري يحب سيدة "الصالون" يريد منها العدل في القسمة، وتوزيع النظرات، وقد جعل الحسن مشاعًا للجميع والواجب عليها ألا ترد بعضهم عن ورده، وأن تعدل بين الظماء، وهل هذه هي العاطفة الملتهبة؟ إنه شعر أنيق ظريف، واضح، ولكن ليس فيه حرارة الحب، ولا لوعة العشق، ولا إخلاص المحب وأثرته.
هذا فضلًا عن أن المعاني التي طرقها صبري، قد رددها من قبل غيره من شعراء العربية فأما أن المرأة فتنة فقضية مشهورة وهذا هو أبو نواس يقول:
ما براها الله إلا ... فتنة حين يراها
وأما أنها لواء الحسن وأن الفتنة استيقظت في ظل اللواء فقديمًا قيل: الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها" وأما قوله: "فرقتهم في الهوى ثاراتهم"، فقد قيل قبل هذا: "قامت حروب الهوى على ساق". وأما قوله: "فأجمعي الأمر وصوني الأبرياء" فقد قال عمر بن الفارض أستاذ صبري:
تجمعت الأهواء فيها فما ترى ... بها غير صب لا يرى غير صبوتي