وقد أجاد صبري في قوله:"تعثر الصبوة فيها بالحياء" وإن ورد مثل هذا في غير موضع الحب.
وقال صبري بعد ذلك:
أنت روحانية لا تدعي ... أن هذا الحسن من طين وماء
وقد قال شوقي في هذا المعنى، ولسنا ندري أيهما أسبق:
صوني جمالك عنا إننا بشر ... من التراب وهذا الحسن روحاني
وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى:{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ}
وأخيرًا قال صبري في هذه القصيدة:
وانزعي عن جسمك الثوب يبنْ ... للملأ تكوين سكان السماء
وعجيب من صبري المهذب الرقيق الحاشية رجل النادي، الذي اشتهر بأنه لا يفحش أن يطلب من محبوبته أن تنزع الثوب عن جسمها أمام الندامى، لا بل أمام الملأ أجمعين ليروا تكوين سكان السماء، ولا شك أن هذه فلتة من فلتات صبري، ما فطن إليها. وبغض النظر عن هذا كله، وعن أنه مقلد، فإن صبري شغل بهذه القطعة -مقتفيًا أثر المدرسة الفرنسية- بمحاسن المحبوب الظاهرة، وعن الكشف عن لواعج نفسه، ومكنون قلبه، وبث لوعته، وحرقة فؤاده، فهو ينظر إليها نظرة مادية رخيصة، يريدها أن تسفر لأن الحسن لا يصح أن يتوارى، ويريدها أن تخطر بين الندامى ليتمتعوا بهذا الجمال كأنهم في سوق الرقيق، ويريدها أن تتحدث وتبتسم، ويعني كل العناية بحسنها ومفاتنها حتى لم يستطع إلا أن يطلب منها أن تخلع ثيابها، ولا يبرئه ما وصف به نفسه وندماه من العفة، ومن أنها ملك. إنه تقليد مزدوج للعرب القدماء، وللمدرسة الفرنسية على السواء. ثم هو شعر ليس فيه عمق ولا تحليل للعواطف، ولا تصوير رائع، وهذه القطعة من أحسن قطعة في الغزل، وأطراها غير واحد من النقاد، وإن وافقنا الأستاذ العقاد في نقدها حيث يقول: "هنا ذوق وكياسة، وليس هذا عشق