للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

راضت النخوة من أخلاقنا................

البيت

أما الأبيات الثلاثة الأخيرة التي ثار الدكتور مندور علينا من أجلها حين تعجبنا من صبري القاهري المهذب أن يطلب إليها أن تنزع الثوب بين الندامى، وراح ينبئنا بأنها صورة ملائكية وأنها روحانية، ولسنا نعلم أن الملائكة تلبس ثيابًا وإنما هي أجسام نورانية شفافة، كل الذي أراده صبري أنها تشبه الملائكة في جمالها. كما قال النسوة في سيدنا يوسف: {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} ولم يمنع ذلك امرأة العزيز من الهيام ومراودته عن نفسه.

ولقد نظرنا إلى القصيدة في عمومها وإلى أنها قيلت في مجلس طرب وصالون مؤانسة وأنه كان يغازلها كما يغازلها سواه، وكل الذي طلبه المساواة في البسمات والنظرات والعطف وأن تسمح لهم جميعًا أن يردوا من منهل حبها فلا تذود بعضهم عن ورده دون بعض، ونظر الدكتور مندور إلى الأبيات الثلاثة الأخيرة، وشتان بين النظرتين، ومع هذا فلا تقول إنه خطأ في الفهم كما قال، وإنما هو اجتهاد منه في التأويل:

ومن القطع الغزلية التي اشتهر بها صبري قوله:

أقصر فؤادي فما الذكرى بنافعة ... ولا بشافعة في رد ما كانا حمل

سلا الفؤاد الذي شاطرته زمنا ... الصبابة فاخفق وحدك الآنالو

ما كان ضرك إذ علقت شمس ضحى ... أدركت ضحايا العشق أحيانًا

هلا أخذت لهذا اليوم أهبته ... من قبل أنت تصبح الأشواق أشجانا

لهفي عليك قضيت العمر مقتحمًا ... في الوصل نارًا وفي الهجران نيرانا

لقد أثنى الدكتور طه حسين ثناء لم نعهده منه في أي شاعر آخر على هذه القطعة وهو الخبير بفنون القول، والذي يتطلب من الشعراء الشيء الكثير، وذلك حيث يقول في مقدمة ديوان صبري: "فهل تعرف روحًا أعذب من هذا الروح؟ وعاطفة أصدق من هذه العاطفة؟ ولهجة أرق من هذه اللهجة؟ وموسيقى أجل وأظرف وأحسن تمثيلًا للروح المصري الشعبي من هذه الموسيقى التي يلائم بها بين "نافعة وشافعة" وفي البيت الأول، يأخذ هاتين الكلمتين من حديث الشعب

<<  <  ج: ص:  >  >>