يا قلب مالك والهوى من بعدما ... طاب السلو، وأقصرالعشاق
أو ما بدا لك في الإفاقة والألى ... نازعتهم كأس الغرام أفاقوا
ومعنى البيت الثالث من أبيات صبري قديم قدم الشمس يوم طلعت على شاعر عربي في الصحراء، وضحايا العشق كذلك معرقون في القدم منذ وجد الحب على ظهر البسيطة، وطالما ردده الشعراء، فلا داعي لتكراره، ولكن تعالى معي إلى البيت الرابع وأعجب كيف يأخذ المحب عدته لسلو الحبيب أو لغدره، اللهم إن هذا لا يكون إلا إذا رثت حبال المودة، وانتقض الحب، وفسدت الصلة، أما أن يفكر المحب وهو بعد محب ومحبوب في أن حبيبه سيغدر به، بعد العدة لسلوه فهذا أمر لا يفهم في عالم الحب، إلا إذا كان حبًّا من النوع الذي أغرم به صبري وهو الحب العابر، المتنقل، غير العميق الغور، أو الصادق العشق، ثم كيف يستطيع القلب أن يتخذ العدة والأشواق هي الغالبة عليه، ولم تتحول بعد إلى أشجان، وقديمًا قال الشاعر:
فوا كبدي من شدة الشوق والجوى ... وواكبدي إني إلى الله راجع
إن الشوق هو الذي يسعر النار في الأفئدة المدلهة، وهو الذي وصفه أبو تمام بقوله:
هذا محبك أدمى الشوق مهجته ... فكيف تنكر أن تدمي ما فيه
لست أدري، لعمر الحق كيف فرق صبري بين الأشواق والأشجان، ولا كيف يفكر المحب في السلو ويعد له عدته وهو في معمعان الشوق؟ إذا كان صادق العاطفة حقًّا فكيف يطلب من قبله أن يسلو، هلا تذكر قول المجنون:
فيا حبها زدني جوى كل ليلة ... ويا سلوة الأيام موعدك الحشر
وما لي أضرب الأمثلة بالغابرين، وقد ناقض صبري نفسه في غير هذه القصيدة وبرهن على أن الشوق نار ملتهبة حيث يقول:
يا من أقام فؤادي إذا تملكه ما ... بين نارين من شوق ومن شجن