للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يبق مني إلا ... بقية ليس تبقى

وإذا قال صبري في قطعة أخرى فيها شيء من وهج اللوعة.

أبثُّك ما بي فإن ترحمي ... رحمت أخا لوعة ذاب حبًّا

وأشكو النوى ما أمر النوى ... على هائم إن دعا الشوق لبى

وأخشى عليك هبوب النسيم ... وإن هو من جانب الروض هبا

وأستغفر الله من برهة ... من العمر لم تلقني فيك صبا

تعالي نجدد زمان الهنا ... وننهب لياليه الغر نهبا

تعالي أذق بك طعم السلام ... وحسبي وحسبك ما كان حربًا

لم أجد خيرًا من تعليق الأستاذ العقاد عليها بقوله: "إن صبري لم يذب حبًّا هنا إلا كما ذاب كل قاهري ظريف يقول لصاحبته: "أنا أذوب" وأنه لم يخف على صاحبته هبوب النسيم من جانب الروض إلا كما يخشى كل قاهري ظريف من الهواء وما هو أرق من الهواء. وإنما هو إسماعيل صبري في صميمه، وحقيقة نجواه حين يقول لها: إنه تعب من اللوعة، وكَلَّ من الحرب، ولا أمل له في غير السكينة والسلام١.

وهذه الأبيات محاكاة لما قيل من قبل في هذه المعاني، وليست منبعثة عن عاطفة قوية، وأغلب الظن أن صبري لم يكن يعبر عن خلجات فؤاده، وإنما كان إذا أراد القول في الحب ازدحمت على مخيلته تلك الصور القديمة التي وعتها ذاكرته فرددها، وأعادها إلى الحياة لا تنطق عن جوى كامن من فؤاده، أو تنقل قبسًا من روحه، وكيف تكون كذلك وهي رداء صنع لغيره، ورث من قبل أن يتناوله، ومرة يجيء وفق ما يريد من معنى، وما يجيش في قلبه من فكرة وعاطفة، وأحيانًا يضيق. وأخرى يتسع. ألا ترى معي أن الشكوى في قلبه من فكرة وعاطفة،


١شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي ص٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>