وإذا قلت: إن شرك صبري من ذهب وترك ابن الوردي من فضة وشتان ما بينهما فاستمع إلى شاعر آخر نصب شركا من ذهب هو الأمير "منجك" يقول على لسان من يحبه:
لا تنقضى لك حاجة ... عندي بشعر أو طرب
إن رمت صيدي في الهوى ... فانصب شراكا من ذهب
ولست أريد أتتبع القصيدة فحسبي ما ذكرت منها، وهو دليل على سائرها ولا أدل على أن كثيرًا من غزل صبري محاكاة، من قوله:
يا وامض البرق كم نبهت من شجن ... في أضلع ذهلت عن دائها حينا
فالماء في مقل والنار في مهج ... قد حار بينهما أمر المحينا
لولا تذكر أيام لنا سلفت ... ما بات يبكي دمًا في الحي باكينا
يا نسمة ضمخت أذيالها سحرًا ... أزهار أندلس هبي بوادينا
وهو يقولها ردًّا على قصيدة شوقي الأندلسية "يا نائح الطلح" وتعجب كيف أن صبري في آخريات حياته، وبعد ما سمع الشعر الحديث وقرأ منه لا يزال يردد البرق في شعره وأنه ينبه شجنه، مقتفيًا أثر العرب وهم في حصرائهم يوم كانوا يحتفلون بالبرق الذي يبشر بسحاب ممطر، فيه الحيا والحياة، فيهتزون طربًا لرؤياه، ويتذكرون الحبيبة الغائبة، التي يودون أن تشاركهم هذه المسرة، أما في القاهرة فلا محل لذكر البرق والمطر.
ومما يدل على التكلف قوله:"فالماء في مقل، والنار في مهج" وحديث الماء والنار قديم جدًّا في الأدب العربي، وقد أبدع الشريف الرضي في هذا المعنى حين قال:
الماء في ناظري والنار في كبدي ... إن شئت فاعترفي أو شئت فاقتبسي