للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما تلك النسمة المضمخة الأذيال فقديمة كذلك، وهي تشبه أذيال الصبا عند ابن معتوق حين يقول:

وتنفس النسرين من عبق ... منه بأديال الصبا عطر

هذا ما كان من أمر الغزل، وقد تبين لك أن جله محاكاة، وندر أن تجد فيه شيئًا من صدق العاطفة، أما الوصف فهو مقل جدًّا بحيث لا تجد له في باب الوصف إلا قصيدة واحدة في البرق والسحاب، ومقطوعة في ثلاثة أبيات في وصف النيل ذكرناها في غير هذا الباب عند الكلام في مواقف الشعراء من الطبيعة المصرية وذكرنا أنها مسروقة من ابن خروف النحوي الأندلسي١.

وقصيدة البرق والسحاب مما سبق أن أتى عليه الشعراء، ولا سيما والبرق في مصر نادر، وليس فيها ما يستحق الذكر إلا تذكره لعهده بالشباب، وفي هذه القصيدة يقول:

أبرق يتوج هام الربا ... وإلا فهاتيك نار القرى

كأن سناه عيون مارض ... يحاولن تحقيق شمس الضحى

وإلا فتلك مصابيح قبل أن ... طفاء يَثَرن لصدع الدجى

وهذا كما ترى خيال بدوى، سبق إليه امرئ القيس وغيره، وإن نار القرى بمصر توقد فوق رءوس الربى لجلب الضيفان، ولعلك تتذكر وصف امرئ القيس للبرق بقول له:

يضيء سناه أو مصابيح راهب ... أمال السليط بالذبال المفتل

أما الأبيات التي يذكر فيها عهد الشباب فهي:

سقى ريها العذب عهد الشباب ... فقد كان روضًا شهي الجنا

إذ العيش كالغصن في لينه ... يميل بعبء ثمار المنى

أقلبي كم ذا توالى الحنين ... وكم ذا يشوقك عصر الصبا

رويدك إني رأيت القلوب ... تفطر من ذا ومن بعض ذا

صحبت الأسى بعد ذاك الزمان ... كأنك مستعذب للأسى


١ راجع ص١٦٤ من هذا الكتاب، والأبايت مذكورة في بغية الوعاة للسيوطي ص٣٢٥٤ مطبعة السعادة ١٣٢٦ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>