وليس في هذه الأبيات أي صورة جديدة، فاستمطار السحب على العهود السعيدة الماضية جلبًا للرحمة خيال بدوي قديم، وتشبيه العيش بالغصن الرطب مما أكثر الشعراء من ذكره، وربما كان في هذه القصيدة بعض العاطفة الحزينة، ولكنها ليست عميقة، ولا قوية.
وعجيب من صبري ألا يعني بالوصف، وهو أدل أبواب الشعر على قوة الشاعرية، وعلى تحرر الشاعر من قيود المجتمع ومجاملاته؛ لأن الصوف لا باعث له إلا انفعال الشاعر للجمال أو الخير، لكن صبري كان يرسف في أغلال التقليد فلم يستطع الفكاك من قيود المجتمع ومجاملاته، مادحًا، أو راثيًا، أو مقرظًا، أو متغزلًا في سيدة النادي الذي يغشاه وفي أمثالها.
هذا وباب الاجتماع لدى صبري باب قصير، وكله شخصي، وينظر فيه الشاعر إلى نفسه قبل أن ينظر إلى من حوله، وكله نظرات حزينة وتبرم بالناس، واستجلاب للسخط على الحياة وساكنيها، واستمع إليه يقول في الشباب والشيب:
لم يدر طعم العيش شبا ... ن ولم يدركه شيب
جهل يضل قوى الفتى ... فتطيش والمرمى قريب
وقوى تخور إذا شبـ ... ـث بالقوي الشيخ الأريب
بينا يقال كبا المغفـ ... ـل إذ يقال خبا اللبيب
أواه لو عقل الشبا ... ب وآه لو قدر المشيب
وإذا لم يدر طعم العيش شبان، ولم يدركه شيب، فمن يدريه؟ هل تقصد أن طعم الحياة ولذتها لا يدركهما أحد أبدًا لا الشبان ولا الشيب؟ وما حد الشباب عنده، وما حد المشيب؟ إذ كان الأمر كما يصوره صبري فلا كانت الدنيا ولا كان السعي فيها، أليس بين عهد الشباب الجامح، وضعف الشيخوخة مرحلة طويلة من العمر، وفسحة من الأجل يتمتع فيها الإنسان بالحياة على هينة، ويدرك مغزاها تمام الإدراك؟ وهل العبرة بالسن أم العبرة بالشعور؟ كم من فتى في