ريعان العمر يشعر إزاء الحياة شعور الشيخ الذي هَذَّهُ المرض، وأثقلته تكاليف السنين، وكم من شيخ لا يزال في القلب، نضر الآمال.
وإذا تركنا البيت الأول وجدنا الأبيات الأربعة التالية تدور كلها حول معنى واحد، وهو أن الشباب سن الطيش، كثيرًا ما يخطئ فيه الإنسان لحماقته وغروره واندفاعه، وعدم تحكم القوى العاقلة في أمور نفسه، وأن المشيب سن الضعف تخون الإنسان قوته، ويود، وما وده بنافع له؛ لأنه لا يملك الإرادة المنفذة، ولا العزيمة المبرمة.
أما أن الشباب مظنة الخطأ والجهل فمعنى قديم، وفي ذلك يقول النابغة: وإن مطية الجهل الشباب"، ويقول العتبي:
قالت عهدتك مجنونًا، فقلت لها ... إن الشباب جنون برؤه الكبر
وأما أن المشيب زمن الضعف، وانطفاء الآمال فمعنى ردده غير واحد من الشعراء، ومن أحسن ما قيل في هذا قول أبي العلاء:
سقيا لأيام الشبا ... ب وما حسرت مطيتيا
أيام آمل أن أمس الـ ... ـفرقدين براحتيا
فالآن تعجز همتي ... عما ينال بخطوتيا
ومن خير قصائد الاجتماعية قصيدته التي قالها في مذنب "هالي" وقد سبقت الإشارة إليها، وفيها ينعي على الناس فساد أخلاقهم، ويستمطر شآبيب السخط والغضب على هذه الدنيا، وما فيها من وجوه كالحة كئيبة، ويصور في براعة بطش القوى بالضعيف شأن الدنيا في تنازع البقاء، وفي ذلك يقول:
غاض ماء الحياة من كل وجه ... فغدا كالح الجوانب فقرا
وتفشي العقوق في الناس حتى ... كاد رد السلام يحسب برا
أوجه مثلما نثرت على الأجدا ... ث وردًا إن هُنَّ أبدين بشرًا