ولكن كيف يتهيأ لصبري هذا، وهو شاعر مفرد الوتر، سطحي الشعور أن يبدع في هذا الموضوع أو شبهه. وليس معنى هذا أنه لم يقل شيئًا إنه قال على قدر استطاعته، وإذا علمنا أن صبري لا يستطيع نظم المطولات، ويعيا بها عرفنا السبب في تقصيره، إنه مس برفق آلام الإنسانية، وساق كثيرًا من أبيات الحكمة، ورجع في كثير من معاني القصيدة إلى الشعر القديم والاستعانة به على تأدية أغراضه، مثل ذلك قوله:"غاص ماء الحياة من كل وجه" وكثيرًا ما تكلم الشعراء في ماء الحياة هذا:
كثير حياء الوجه يقطر ماؤه ... على أنه من بأسه النار تلفح
وأما من ملق الناس ونفاقهم الذي عبر عنه بقوله:
وشفاه يقلن أهلًا ولو أديـ ... ـن ما في الحشا لما قلن خيرًا
فقد قال الله سبحانه وتعالى وهو أكرم القائلين:{يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} .
وقديمًا قال الشاعر:
يقولون لي أهلًا وسهلًا ومرحبًا ... ولو ظفروا بي ساعة قتلوني
وأما غرور الأمم ونسيانها في حميا انتصارها أن سيأتي يوم تدال فيه إن لم تحط ملكها بالعدل والرحمة والاعتدال في كل شيء فمأخوذ من قول الشاعر:
ما طار طير وارتفع ... إلا كما طار وقع
والمغالبة في الحياة، والمزاحمة على مواردها، وانتصار القوى على الضعيف شريعة الوجود منذ نشأة الإنسانية، وقديمًا قال الشريف الرضي:
والناس أسد تحامي عن فرائسها ... إما عقرت وإما كنت معقورًا
وهكذا كل معاني القصيدة إلا النادر من مثل قوله:
أوجه مثلما نثرت على الأجدا ... ث وردًا إن هن أبدين بشرًا
أغدًا يصبح الصراع عناقا ... في الهيولي، ويصبح العبد حرًّا