فالصورة في البيت الثاني رائعة؛ لأن الإنسان قد يتصور هذا الصراع البشري العنيف وقد استحال بعد الموت وآثاره عناقًا وضمًّا والتزامًا بين بقايا البشرية وأنقاضها، أو بين موادها المنحلة المتناثرة، وقد جاور بعضها بعضًا، ولا فرق بين ملك وسوقة، ولا ظالم ولا مظلوم، وقديمًا قال المعري في المنايا، وأنها تفرق بين الرأس والرجل، والقدم والرأس:
فكم قارن من رأس برجل ... وكم ألحقن من قدم برأس
وكان إسماعيل صبري يرى الاقتصار على زوجة واحدة، وهو بهذا من أنصار قاسم أمين، وقد عبر عن رأيه شعرًا ونثرًا، وأما الشعر فقوله:
يا من تزوج باثنتين ألا اتئد ... ألقيت نفسك ظالمًا في الهاوية
ما العدل بني الضرتين بممكن ... لو كنت تعدل ما أخذت الثانية
وأما النثر فقوله:"أحب التوحيد في ثلاث: "الله" و"المبدأ" و"المرأة".
ولم يخض في مسألة السفور والحجاب كما ذكرنا آنفًا، ولعل رأيه يتضح من قوله أحب الحرية في ثلاثة: "حرية المرأة في ظل زوجها، وحرية الرجل تحت راية الوطن وحرية الوطن في ظل الله". ولا شك أن حرية المرأة في ظل زوجها هي ما شرعه الإسلام ولكن هذه جملة مبهمة لا تفيد كثيرًا في معرفة رأيه.
هذا كل ما نستطيع أن نأخذه من باب الاجتماع عند صبري، ومنه نرى أنه شاعر لا فكرة له في المجتمع وإصلاحه، وإنما هي بعض الشكوى والتبرم، والشكوى والتبرم ليسا مذهبًا إصلاحيًا، ولا فلسفة يدين بها الشاعر؛ لأنها عمل سلبي، ومعظم شعرائنا، وللأسف -لا أخص صبري وحده- ليس لهم فلسفة يدور حولها شعرهم، ولا فكرة يدعون إليها، كما هو الحال عند شعراء الغرب البارعين، ولا أولئك الذين يخدعون الناس بعبارة "شعراء الفن للفن" ليهرفوا بما لم يعرفوا، وليقولوا ويأمنوا النقد. وما أظن صبري ولا سواه ممن اختفت لديهم الفكرة الجامعة، والمبدأ القويم الذي يدور حوله شعرهم كانوا يفكرون في مسألة