"الفن للفن"؛ لأن الشعر عندهم كان لمعًا، وخطرات ترد على الذهن، فينشأ منها انفعال عارض يدفعهم إلى قول بضعة أبيات أو قصيدة.
هذه وسياسيات صبري من قبيل الفكاهة والنكتة، لا تعرف له مبدءا يدين به، أو حزبًا ينتمي إليه، وإن كانت فيها سخرية مرة أحيانًا وتهكم لاذع بهؤلاء الذين مالئوا الاحتلال، أو لم يخلصوا لأمتهم فيما أتأمنهم عليه من عمل أو وزارة، وهي أشبه بالصور الهزلية "الكاريكاتيرية" منها بالصور الحقيقية، خذ مثلًا قوله في مصطفى فهمي، وهو من عرفت فيما سبق: نصيرًا قويًّا للمحتل، وعدوًّا لرغبات الأمة، وأمانيها الوطنية، ولا أدل على ذلك من أنه مكث في الوزارة ثلاث عشرة سنة، وعميد الاحتلال راض عنه؛ لأنه كان أشد منه حماسة في توطيد أقدام الإنجليز بمصر، فلما سقطت وزارته بعد ذلك الأمد الطويل في تاريخ الوزارات سنة ١٩٠٨ قال إسماعيل صبري.
عجب لهم قالوا سقطت ومن يكن ... مكانك يأمن من سقوط ويسلم
فأنت امرؤ ألصقت نفسك بالثرى ... وحرمت خوف الذل ما لم يحرم
وقال على لسان مصطفى فهمي هذا عند استقالته، مشيرًا إلى أنه لم يجد في مصر رجالًا ولو وجد فيها رجالًا ما تركوه في الوزارة طوال هذه المدة، يعين عدوهم عليهم، ويستتر وراء اسمه لتنفيذ أغراضه، وتوطيد سياسته، وأنه لم يستقل إلا بعدما أراد قومه أن يكلفوه ما لم يرض، وهو ألا ينصاع لما يريده المحتل الغاصب:
إنني أستغفر الله لكم ... آل مصر ليس فيكم من رجال
فَلَّ غربي ما أرى من نومكم ... ورضاكم بوجود الاحتلال
بُحَّ صوتي داعيًا مستنهضًا ... صارخًا حتى تولاني الكلال
لم أجد فيكم فتى ذا همة ... إن عدا الدهر عدا أوصال صال