للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحبه؟ إن المرء يتشبث بمن يحب، وينازع الموت عليه، ولو استطاع أن يستخلصه منه لفعل، وهذا هو الشريف الرضي ينبئنا عن شعوره إزاء الموت بقوله:

لو كان يدفع ذا الحمام بقوة ... لتدكدست عصب وراء لوائي

بمدربين على القراع تفيئوا ... ظل الرماح لكل يوم لقاء

ولعل صبري يريد أن من مات "وهو أمين فكري" كان أعز إنسان لديه وليس بعده من الإخوان والأهل من يحرص عليه صبري، فإذا طلب الموت أحدًا بعده هان عليه أن يجود به؛ لأن الذي يحرص على حياته قد مات وهو معنى قديم جدًّا قاله امرؤ القيس حين بلغه أن بني أسد قتلوا والده:

بنو أسد قتلوا ربهم ... ألا كل شيء سواه جلل

ويقول صبري بعد هذه الأبيات شعرًا فيه محاكاة غير مرغوبة في عصرنا الحاضر للشعر العربي القديم، ذلك الذي يستمطر السماء على أجداث الموتى، وقد كان مقبولًا في الصحراء التي يشح فيها المطر، والذي يعد فيها الغيث رحمة. استمع لصبري يقول:

ويا تربة حل فيها الأمين ... لأنت الفراديس أو أخصب

حبست على رحمات الرحيم ... وجاءك رضوانه الصيب

ولا زالت السحب منهملة ... وأنت لأذيالها مسحب

وتشبيه القبر بالروضة ليس بالجديد، وقد قال تمام:

مضى طاهر الأثواب لم تبق روضة ... غتداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر

وقد بلغ المتنبي الغاية في هذا حيث يقول:

وما ريح الرياض لها ولكن ... كساها دفنهم في الأرض طيبًا

وأما الدعوة لهذا القبر بأن يجوده الحيا، فالأدب العربي القديم غاص به، ولا يحتاج منا إلى دليل فهو من التقاليد الموروثة منذ أن رثى شاعر جاهلي عزيزًا عليه.

ولا تشعر في رثاء صبري بتلك اللوعة التي تحس بها في رثاء المفجوعين، وإنما يسير في رثائه على هينة كأنه يقص خبرًا من الأخبار ولقد صدق الأستاذ

<<  <  ج: ص:  >  >>