للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقبلت الصوارم والمنايا ... لحرب الله تنتحم انتحاما١

وهذا قول موجز، فيه توعر في الألفاظ، وكان يستطيع أن يصور هؤلاء الأوشاب الذين اجتمعوا من قبائل شتى، وهم يتسللون في جنح الليل إلى دار النبي عليه السلام يقدمهم الشيطان، ويهيمن عليهم الشر، وكيف منوا نفوسهم الآثمة بقتل سيد الخلق عليه السلام ولكن الله العلي القدير الذي حفظ نبيه وأراد نشر دينه كان لهم بالمرصاد، ثم يستطيع أن يصور في خيال شعري رائع عليًّا وهو نائم في بردة النبي وخروج الرسول على الكفار وقد عميت أبصارهم عن رؤيته، وما تهامست به نفسه حين رأى جمعهم وشبابهم وسيوفهم، وتغلب إيمانه وثقته بربه على همهمات نفسه، وكيف مر من بينهم سالمًا إلى آخر قصة الهجرة. ولكن عبد المطلب لم يشأ أو قل لم يستطع أن يحلل، ويسبر غور النفوس ويصور تلك المؤامرة الرهيبة والليل دامس، والكون كله يترقب نتيجتها، وتاريخ البشرية يتطلع إلى إخفاقها كي يحظى بخير شريعة على يد أفضل نبي، واكتفى بأن أجمل القول في هذا كله:

وأغشى الله أعينهم فراحت ... ولم تر ذلك البدر التماما

عموا عن أحمد ومضى نجيا ... مع الصديق يدع الظلاما

ويعقد ببعد ذلك فصلًا عن علي بالمدينة، وقد صور فيه شجاعة علي في غزوة بدر في إيجاز واستمع إليه يقول في هذا:

كأني بابن عتبة يوم بدر ... يعاني تحت مجثمة جثامًا٢

ولو علم الوليد بمن سيلقى ... لألقى قبل مصرعه السلاما

رويدًا بني ربيعة قد ظلمتم ... بني الأعمام والرحم الحراما

وصلناكم بها وقطعتموها ... فكان الحزم أن تردوا الحماما


١ الانتحام: الصوت والجلبة من النحيم وهو صوت الفهد، وهو أيضًا بمعنى الاعتزام.
٢ الجثام: الكابوس.

<<  <  ج: ص:  >  >>