كانت التركية لا تزال ذات سطوةٍ في مصر حتى عصر إسماعيل, ولكنه عمد إلى تمصير الحكومة ولغتها، حتى يسهل انفصاله عن الدولة العثمانية، وأصدر أمرًا بجعل صور الأمر واللوائح وكل ما سبق صدروه من الإجراءات منذ عهد محمد علي عربيةً، كما أمر بطبعها، فما كان منها عربيًّا يطبع كما هو، وما كان تركيًّا تطبع معه ترجمته العربية١، ولقد كان الأمر باستعمال اللغة العربية أداة التعبير الحكومية سابقًا لأوانه، لافتقار البلاد لعددٍ كبيرٍ ممن يحذقون اللغة العربية، ولا سيما بعد ذلك الركود الذي أصاب التعليم على يد عباس وسعيد، ثم إن ترجمة هذه القوانين الكثيرة التي صدرت منذ عهد محمد علي تحتاج إلى وقتٍ طويل، ولذلك ظلَّت للتركية بعض السطوة، وإن أخذت تدريجيًّا تفسح مكانها للعربية, حتى أوشكت أن تحلَّ محلها نهائيًا في أخريات عصر إسماعيل.
ومما ساعد على الاهتمام بالترجمة في عهد إسماعيل ازدياد النفوذ الأجنبيّ، وكثرة من وفدوا إلى مصر من هؤلاء الأجانب تجارًا ومغامرين، ولا سيما بعد فتح قناة السويس، فأنشئوا المصارف والدور التجارية الكبرى، ودخلوا في خدمة الحكومة مديرين وفنينين, وعلي الأخصِّ حين اضطربت مالية البلاد.