للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذه الظاهرة أسباب تتصل بالعوامل الثلاثة التي بيناها.

فمن الوجهة السياسية كانت القرون الوسطى شديدة الوطأة على يهود أوروبة بأجمعها، إذا استثنينا أسبانية الإسلامية، ذاقوا فيها من ضروب التعسف والاضطهاد والتقتيل والتشريد ما يعجز عن تبيانه القلم. أما يهود الشرق، فكانوا أسعد حظا وأكثر استقرارا واطمئنانا على أرواحهم وموطنهم وأموالهم من إخوانهم في الغرب. فقد ترك لهم خلفاء المسلمين وسلاطينهم حرية الإيمان والمعتقد وأمّنوهم على أرواحهم وما ملكت أيمانهم بدافع الشرع القويم والعرف والتسامح. فلم يكن اليهودي، وهو من أهل الذمة، ملزما بأكثر من جزية بسيطة يدفعها إلى بيت مال المسلمين لقاء حصوله منهم على حقوقه المشروعة.

وإذا كان يهود الشرق عانوا أحيانا بعض الشدة في عهود الانحطاط من بعض الأمراء المتغلبين، فإن تلك الأوضاع الشاذة ما كانت تدوم إلا أمدا قصيرا. إذ لم تكن هناك خطة اضطهاد مرسومة وسياسة عداء مقررة. ولم تبلغ الحال، في أشد أيامها، مبلغ الطرد الإجماعي أو التقتيل بالجملة، مثلما كان يحدث في أوروبة. لذلك كان يهود الشرق يعيشون في استقرار ودعة واطمئنان، فلم يكن ثمة ما يبرر مبارحتهم ديارهم إلى بلاد الغرب وهي يومئذ على ما وصفنا.

أما حج بيت المقدس فلم يكن غير مرغوب فيه من يهود الشرق. بل

<<  <   >  >>