في القرون الوسطى لم يعن الأوروبيون بالسياحة والتجوال بين أقطار الشرق الإسلامي وارتياد بلدانه وانتجاع أراضيه لمجرد الشغف بالاطلاع أو محض المقاصد العلمية والجغرافية والسياسية مثلما كان دأبهم ولا يزال في القرون الأخيرة والعصر الحاضر. إنما كان الدين العامل الوحيد الذي يدفعهم إلى تجشم مشاق السفر وشد الرحال لزيارة الديار المقدسة.
ذلك لأن فلسطين تحتل مركزا رفيعا في قلوب المسيحيين. ينظرون إليها نظرة تقديس وإجلال، شأنهم في ذلك شأن اليهود والمسلمين.
فهي عندهم بلد التوراة ومهد المسيح ومنبت النصرانية. وحيثما تنقلوا في أرجائها وجدوا تراث الحواريين وكنائس القديسين ومراقد الصالحين. وتأريخ الكنيسة قديمه وحديثه، يرتبط ارتباطا وثيقا بتلك البقعة الشريفة التي يقدسها أبناء الأديان السماوية أجمع. فلا بدع إذا رأينا الحجاج الأوروبيين في القرون الوسطى يتوافدون على بيت المقدس من كل حدب وصوب، شغوفين بزيارة الأماكن المقدسة التي لها علاقة بالسيد المسيح ورسله وحوارييه. وأخبار أولئك الحجاج وحكايات تنقلاتهم وروايات أسفارهم وسجلات مشاهداتهم تملأ العدد الوافر من كتب الرحلات القديمة، لا غنى عنها لمن أراد الاطلاع على أحوال الشرق الإسلامي في تلك العصور.
ويمكن القول على وجه التأكيد: إن اهتمام النصارى بزيارة الديار