المقدسة قد بدأ مع القرن الرابع للميلاد، أي عندما اعتنق قسطنطين الكبير (٣١٢- ٣٣٧ م) النصرانية وجعلها الدين الرسمي للدولة الرومانية. فقد قوي سلطان الكنيسة منذ ذلك التأريخ فبسطت سيطرتها على أفكار الجماهير فصارت توجه معتقدهم وعقليتهم ونشاطهم إلى الناحية التي كانت تريدها فأذكت في نفوسهم الحماس الديني، وبذلك اتجهت الأنظار بطبيعة الحال إلى فلسطين- بلد المسيح ومهد النصرانية. وقد ساعد على هذا الاتجاه كون الديار المقدسة يومئذ جزءا من رقعة تلك الإمبراطورية الواسعة، وعناية الدولة بالمحافظة على تراث النصرانية فيها وتيسير الأمن والراحة في الطرق المؤدية إليها، شأنها في ذلك شأن عناية خلفاء المسلمين بطريق الحج إلى الديار الحجازية وبيت الله الحرام.
أخذ سيل حجاج النصارى يتدفق عاما بعد عام على الديار الفلسطينية. ويحفظ لنا التأريخ أسماء عدد من مشاهيرهم وعظمائهم في العصور التي سبقت الفتح الإسلامي. فمنهم: هيلانة أم قسطنطين الكبير Julia Flavia Helena التي زارت فلسطين في أخريات أيامها فوجدت الضريح المقدس والصليب الذي قيل: إن المسيح صلب عليه؛ وشيدت في بيت لحم والناصرة المباني الجسمية والكنائس العامرة التي ما زالت باقية حتى اليوم. ومنهم الإمبراطورة أو دوسية Eudoxia التي وسعت أسوار القدس سنة ٤٦٠ م؛ والراهب المعروف باسم حاج بوردو (٣٣٣ م) والأسقف جيروم (٤٢٠ م) وثيودوسيوس (٥٢٠- ٥٣٠ م) .
ولم ينقطع توارد الحجاج الأوروبيين على فلسطين حتى في أيام هجوم