رأى هذه المعجزات؟ أليس هذا لعمري طريقا إلى تصديق النبوة، لأن هذا كان يلزمكم منه أن تكون معجزات الأنبياء عليهم السلام باقية من بعدهم، ليراها كل جيل بعد جيل، فيؤمنوا به وليس ذلك بواجب، لأنه إذا اشتهر النبي في عصر، وصحت نبوته في ذلك العصر بالمعجزات التي ظهرت منه لأهل عصره، ووصل خبره لأهل عصر آخر، وجب عليهم تصديق نبوته واتباعه. لأن المتواترات والمشهورات مما يجب قبولها في العقل. وموسى عليه السلام ومحمد وعيسى صلوات الله عليهم في هذا الأمر متساوون.
ونقول: تواتر الشهادات بنبوة موسى أضعف من تواتر الشهادات بنبوة عيسى ومحمد عليهما السلام. لأن شهادة المسلمين والنصارى بنبوة موسى ليست إلا بسبب أن كتابيهما يشهدان له بذلك، فتصديقهم بنبوة موسى فرع عن تصديقهم بكتابيهما. وأما معجزات القرآن فإنها باقية، وإذا كانت باقية فتلك فضيلة زائدة لا تحتاج إلى كونها سبب الإيمان. فأما من أعطي ذوق الفصاحة فإن إيمانه بإعجاز القرآن إيمان من شاهد المعجزات، لا من اعتمد على الخبر، إلا أن هذه درجة لم يرشح لها كل أحد.
فإن قالوا: إن نبينا يشهد له جميع الأمم، فإن التواتر به أقوى، فكيف تقولون إنه أضعف؟ قلنا: كل اجتماع شهادات الأمم صحيح لديكم؟ فإن قالوا: نعم. قلنا: فإن الأمم الذين قبلتم شهاداتهم مجتمعون على تكفيركم وتضليلكم. فيلزمكم ذلك، لأن شهادتهم عندكم مقبولة.