للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين جبال، وبها آبار ماء معين تنسب إحداها إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه. والمدرج المنسوب إلى عثمان أيضا على مسافة نصف يوم من خليص هو مضيق بين جبلين وفي موضع منه بلاط على صورة درج أثر عمارة قديمة هنالك بئر تنسب إلى النبي عليه السلام ويقال أنه أحدثها بعسفان حصن عتيق وبرج مشيد قد أوهنه الخراب وبه من شجر المقل كثير. ثم رحلنا من عسفان ونزلنا بطن مر ويسمى أيضا مر الظهران١ وهو واد مخصب كثير النخل ذو عين فوارة سيالة تسقى تلك الناحية ومن هذا الوادي تجلب الفواكه والخضر إلى مكة شرفها الله تعالى ثم أدلجنا من هذا الوادي المبارك والنفوس مستبشرة ببلوغ آمالها مسرورة بحالها ومآلها

فوصلنا عند الصباح إلى البلد الأمين مكة شرفها الله تعالى فوردنا منها على حرم الله تعالى ومبوأ خليله إبراهيم ومبعث صفيه محمد صلى الله عليه وسلم ودخلنا البيت الحرام الشريف الذي من دخله كان آمنا من باب بني شيبة وشاهدنا الكعبة الشريفة زادها الله تعظيما وهي كالعروس تجلي على منصبه الجلال وترفل في برود الجمال محفوفة بوفود الرحمن موصلة إلى جنة الرضوان وطفنا بها طواف القدوم واستلمنا الحجر الكريم وصلينا ركعتين بمقام إبراهيم وتعلقنا بأستار الكعبة عند الملتزم بين الباب والحجر الأسود حيث يستجاب الدعاء وشربنا من ماء زمزم وهو لما شرب له حسبما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم تسليما ثم سعينا بين الصفا والمروة ونزلنا هنالك بدار بمقربة من باب إبراهيم والحمد لله الذي شرفنا بالوفادة على هذا البيت الكريم وجعلنا ممن بلغنا دعوة الخليل عليه الصلاة والتسليم ومتع أعيننا بمشاهدة الكعبة الشريفة والمسجد العظيم والحجر الكريم وزمزم والحطيم.

ومن عجائب صنع الله تعالى أنه طبع القلوب على النزوع إلى هذه المشاهد المنيفة والشوق إلى المثول بمعاهدها الشريفة وجعل حبها متمكنا في القلوب فلا يحلها أحد إلا أخذت بمجاميع قلبه ولا يفارقها إلا أسفاً لفراقها متولها لبعاده عنها شديد الحنين إليها ناوياً لتكرار الوفادة عليها فأرضها


١ مر الظهران – بفتح الميم – ويقال له: مر ظهران: موضع على مرحلة من مكة بينه وبينها خمسة أميال. وقيل: المر: اسم القرية، والظهران: اسم الوادي.

<<  <  ج: ص:  >  >>