للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خبر الولي لقيناه في الجبل]

...

خبر الولي الذي لقيناه في الجبل:

ولما أرسينا تحت هذا الجبل صعدنا إلى هذه الرابطة فوجدنا بها شيخا نائما فسلمنا عليه فاستيقظ وأشار برد السلام فكلمناه فلم يكلمنا وكان يحرك رأسه فأتاه أهل المركب بطعام فأبى أن يقبله فطلبنا منه الدعاء فكان يحرك شفتيه ولا نعلم ما يقول وعليه مرقعة وقلنسوة لبد وليس معه ركوة ولا إبريق ولا عكاز ولا نعل. وقال أهل المركب إنهم ما رأوه قط بهذا الجبل وأقمنا تلك الليلة بساحل الجبل وصلينا معه العصر والمغرب وجئناه بطعام فرده وأقام يصلي إلى العشاء الآخرة ثم أذن وصلينا معه. وكان حسن الصوت بالقراءة مجيداً لها ولما فرغ من صلاة العشاء الآخرة أومأ إلينا بالانصراف فودعناه وانصرفنا ونحن نعجب من أمره ثم إني أردت الرجوع إليه لما انصرفنا فلما دنوت منه غلب علي الخوف ورجعت إلى أصحابي وانصرفت معهم. وركبنا البحر ووصلنا بعد يومين إلى جزيرة الطير وليست بها عمارة فأرسينا وصعدنا إليها فوجدناها ملآنة بطيور تشبه الشقاشق إلا أنها أعظم منها وجاءت الناس ببيض تلك الطيور فطبخوها وأكلوها واصطادوا جملة من تلك الطيور فطبخوها دون ذكاة وأكلوها. وكان يجالسني تاجر من أهل جزيرة مصيرة ساكن بظفار اسمه مسلم، ورأيته يأكل معهم تلك الطيور فأنكرت عليه ذلك فاشتد خجله. وقال لي: ظننت أنهم ذبحوها، وانقطع عني بعد ذلك من الخجل فكان لا يقربني حتى أدعوه. وكان طعامي في تلك الأيام بذلك المركب التمر والسمك. وكانوا يصطادون بالغدو والعشي سمكاً يسمى بالفارسية شير ماهي، ومعناه أسد السمك، لأن شير هو الأسد وماهي السمك، وهو يشبه الحوت المسمى عندنا بتارزت، وهم يقطعونه قطعاً ويشوونه ويعطون كل من في المركب قطعة لا يفضلون أحداً على أحد ولا صاحب المركب ولا سواه ويأكلونه بالتمر وكان عندي خبز وكعك استصحبتهما من ظفار، فلما نفدا كنت أقتات من ذلك السمك في جملتهم وعيدنا عيد الأضحى على ظهر البحر، وهبت علينا في يومه ريح عاصف بعد طلوع الفجر ودامت إلى طلوع الشمس وكادت تغرقنا.

وكان معنا في المركب حاج من أهل الهند يسمى بخضر، ويدعى بمولانا،

<<  <  ج: ص:  >  >>