لأنه يحفظ القرآن ويحسن الكتابة فلما رأى هول البحر لف رأسه بعباءة كانت له وتناوم فلما فرج الله ما نزل بنا قلت له يا مولانا خضر كيف رأيت قال كنت عند الهول أفتح عيني أنظر هل أرى الملائكة الذين يقبضون الأرواح جاءوا فلا أراهم فأقول الحمد لله لو كان الغرق لأتوا لقبض الأرواح ثم أغلق عيني ثم أفتحها فأنظر كذلك إلى أن فرّج الله عنا. وقد كان تقدمنا مركب لبعض التجار فغرق ولم ينج منه إلا رجل واحد خرج عوماً بعد جهد شديد وأكلت في ذلك المركب نوعاً من الطعام لم أذقه قبل ولا بعد صنعه بعض تجار عمان وهو من الذرة طبخها من غير طحن وصب عليها السيلان وهو عسل التمر وأكلناه. ثم وصلنا إلى جزيرة مصيرة التي منها صاحب المركب الذي كنا فيه وهي على لفظ مصير وزيادة تاء التأنيث جزيرة كبيرة لا عيش لأهلها إلا من السمك ولم ننزل إليها لبعد مرساها عن الساحل وكنت قد كرهتهم لما رأيتهم يأكلون من غير ذكاة وأقمنا بها يوماً وتوجه صاحب المركب إلى داره وعاد إلينا، ثم سرنا يوماً وليلة ووصلنا إلى مرسى قرية كبيرة على ساحل البحر تعرف بصور ورأينا منها مدينة قلهات في سفح جبل فخيل إلينا أنها قريبة وكان وصولنا إلى المرسى وقت الزوال أو قبله فلما ظهرت لنا المدينة أحببت المشي إليها والمبيت بها وكنت قد كرهت صحبة أهل المركب وسألت عن طريقها فأخبرت أني أصل إليها العصر فاكتريت أحد البحريين ليدلني على طريقها وصحبني خضر الهندي الذي تقدم ذكره وتركت أصحابي مع ما كان لي بالمركب ليلحقوا بي في غد ذلك اليوم وأخذت أثواباً كانت لي فدفعتها للدليل ليكفيني مؤنة حملها وحملت في يدي رمحا فإذا ذلك الدليل يحب أن يستولي على أثوابي فأتى بنا إلى خليج يخرج من البحر فيه المد والجزر فأراد عبوره بالثياب فقلت له إنما تعبر وحدك وتترك الثياب عندنا فإن قدرنا على الجواز جزنا وإلا صعدنا نطلب المجاز فرجع ثم رأينا رجالاً جازوه عوماً فتحققنا أنه كان قصده أن يغرقنا ويذهب بالثياب فحينئذ أظهرت النشاط وأخذت بالحزم وشددت وسطي وكنت أهز الرمح فهابني ذلك الدليل وصعدنا حتى وجدنا مجازاً، ثم خرجنا إلى صحراء لا ماء بها واشتد بنا الأمر فبعث الله لنا فارساً في جماعة من أصحابه وبيد أحدهم ركوة ماء فسقاني وسقى صاحبي وذهبنا نحسب المدينة قريبة منا وبيننا وبينها خنادق نمشي فيها الأميال الكثيرة فلما جاء العشى أراد الدليل أن يميل بنا إلى ناحية البحر وهو لا طريق له لأن