قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة رحمه الله تعالى:
ولما كان تاريخ الغرة من شهر المحرم مفتتح عام أربعة وثلاثين وسبعمائة وصلنا إلى وادي السند المعروف ببنج آب، ومعنى ذلك المياه الخمسة. وهذا الوادي من أعظم أودية الدنيا وهو يفيض في أوان الحر فيزرع أهل تلك البلاد على فيضه كما يفعل أهل الديار المصرية في فيض النيل وهذا الوادي هو أول عمالة السلطان المعظم محمد شاه ملك الهند والسند. ولما وصلنا إلى هذا النهر جاء إلينا أصحاب الأخبار الموكلون بذلك وكتبوا بخبرنا إلى قطب الملك أمير مدينة ملتان، وكان أمير أمراء السند على هذا العهد مملوك للسلطان يسمى سَرتيز، وهو من عُرض المماليك وبين يديه تعرض عساكر السلطان ومعنى اسمه الحاد الرأس لأن سَرْ "بفتح السين المهملة وسكون الراء" هو الرأس. وتيز "بتاء معلوة وياء مد وزاي" معناه الحاد. وكان في حين قدومنا بمدينة سيوستان من السند وبينها وبين ملتان مسيرة عشرة أيام وبين بلاد السند وحضرة السلطان مدينة دهلي مسيرة خمسين يوماً وإذا كتب المخبرون إلى السلطان من بلاد السند يصل الكتاب إليه في خمسة أيام بسبب البريد.
والبريد ببلاد الهند صنفان فأما بريد الخيل فيسمونه "الوُلاق""بضم الواو وآخره قاف"، وهو خيل تكون للسلطان، في كل مسافة أربعة أميال، وأما بريد الرجالة، فيكون في مسافة الميل الواحد منه ثلاث رتب ويسمونها الداوة "بالدال المهمل والواو"، والداوة هي ثلث ميل، والميل عندهم يسمى الكُرُوة "بضم الكاف والراء"، وترتيب ذلك أن يكون في كل ثلث ميل قرية معمورة ويكون بخارجها ثلاث قباب يقعد فيها الرجال مستعدين للحركة قد شدوا أوساطهم وعند كل واحد منهم مقرعة مقدار ذراعين بأعلاها جلاجل نحاس فإذا خرج البريد من المدينة أخذ الكتاب بأعلى يده والمقرعة ذات الجلاجل باليد الأخرى وخرج يشتد بمنتهى جهده.
فإذا سمع الرجال الذين بالقباب صوت الجلاجل تأهبوا له فإذا وصلهم